الجمعة، أبريل 25، 2008

قبض بلمار على صلاحيات النائب العام الدولي له أسباب موجبة

بيلمار بلمار bilmar belmar

مماثلة لتشكيل لجنة التحقيق وإنشاء المحكمة الدولية بالفصل السابع

تحظى دعوة وزير العدل شارل رزق الى ضرورة انتقال القاضي دانيال بلمار من موقع رئاسة لجنة التحقيق الدولية الى موقع النائب العام لدى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بدعم واسع في الأوساط القضائية والحقوقية اللبنانية.
وتستوفي دعوة رزق ـ وهي تتسم بقدر كبير من الشجاعة والمسؤولية ـ كل الأسباب الموجبة، فهي تبدأ بالقضائي وتمر على السياسي لتنتهي بالأمني.
بداية، ماذا يعني انتقال بلمار من صفته الحالية الى صفته الثانية التي أقرها مجلس الأمن الدولي بقرار تعيين خليفة سيرج براميرتس؟
عندما يقبض بلمار على صلاحيات النائب العام لدى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، تنتقل إليه كامل الصلاحيات التي للقضاء اللبناني في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أي ان التوقيفات وإخلاءات السبيل واستدعاء الشهود وغيرها من التدابير القضائية، تصبح من الصلاحيات الحصرية للنائب العام.
في الوضع الحالي، فإن بلمار بصفته رئيسا للجنة التحقيق لا يتمتع بأي من هذه الصلاحيات، بل هو مضطر للعبور بالقضاء اللبناني، ممثلا بالنائب العام لدى المجلس العدلي سعيد ميرزا والمحقق العدلي في قضية الحريري صقر صقر، من أجل إنجاز ما يطلبه، وبهذا المعنى فإذا ارتأى ضرورة توقيف شخص تشاور مع القضاء اللبناني في هذا الشأن وكذلك في حال ارتأى إخلاء سبيل موقوف.
وليس ثمة حاجة الى انتهاء التحقيقات، حتى ينتقل بلمار من مستوى الى آخر، على اعتبار أن النائب العام لدى المحكمة الدولية يبقى هو مشرفا على سير التحقيقات التي يُجريها فريق دولي تابع له، فيوجهه ويأمره باتخاذ التدابير اللازمة، بما فيها التوسع في التحقيق.
إلا أنّ نقل صلاحيات التحقيق من موقع الى آخر، له معان كثيرة لبنانيا، لا بل له الكثير من الأسباب الموجبة، وهي تكاد في الوقت الحالي تتساوى مع تلك الأسباب التي دفعت المجتمع الدولي الى التصديق على إرادة اللبنانيين بإنشاء لجنة تحقيق دولية بداية وبإقرار إنشاء المحكمة الدولية لاحقا.
كيف ذلك؟
منذ إقرار نظام المحكمة الدولية في مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع ، يتعرّض قضاة لبنان عموما والقضاة الممسكون بملف اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري خصوصا، لضغوط سياسية ـ أمنية إستثنائية تهدف الى الإفراج عن جميع الموقوفين في هذه القضية من جنرالات ومدنيين، يتقدمهم اللواء جميل السيد.
ومن يدقق في التفاصيل يكتشف أن السيد، كان في الفترة السابقة لإقرار المحكمة الدولية قد صرّح من خلال وكيله أكرم عازوري، أنه لن يتقدم بأي طلب لإخلاء سبيله أمام القضاء اللبناني، ولكنه سرعان ما عاد عن هذا القرار مع إقرار المحكمة الدولية تحت الفصل السابع واكتساب النائب العام لديها صلاحيات واسعة تجمع مميّزات كثيرة متوافرة في النظامين القضائيين العالميين أي الأنكلوساكسوني واللاتيني.
وهذا يعني أن المجموعة التي تقف وراء السيّد، عندما تلمست أن الصراع السياسي الداخلي لم يمنع إنشاء المحكمة الدولية أصابها الرعب من انتقال الملف من القضاء اللبناني الى القضاء الدولي، فسارعت الى إدخال تعديل جوهري على مخطط المواجهة بالتعاون مع أطراف سياسية هدفها تعطيل المحكمة الدولية، الأمر الذي تجلّى في دخول الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله على خط المطالبة بالإفراج عن الجنرالات "المظلومين" كبداية لاقحام مؤسسات "حزب الله" كلها في استراتيجية "تفريغ المحكمة" بعدما عجزت هذه المؤسسات بدعم سوري مباشر عن استراتيجية منع قيام المحكمة.
وبالفعل، بدأ الضغط غير المسبوق على القضاء اللبناني للإفراج عن الجنرالات. جميل السيد الذي طالما تبرّأ من الجنرالات الثلاثة الآخرين ولاسيما من "الصامت الأكبر" العميد مصطفى حمدان والمتورط "بالتفلّت النسائي" اللواء علي الحاج، دخل على الخط "بالطول والعرض" شاتما هنا ومهددا هناك وموجها "صيصانه" في كل مكان.
وكانت قمة هذه العملية الضاغطة في حدثين أمنيين، أولهما تسريب شائعة "معلومة المصدر" تفيد بأن القاضي شكري صادر هو أحد المستهدفين الرئيسيين بانفجار الشفروليه الذي أودى بالمحقق الأمني الرائد الشهيد وسام عيد، وثانيهما بتفسير اختفاء الشاهد ـ المشتبه به زهير محمد الصديق من أمام أعين المخابرات السورية على أنه "خطف فتصفية".
وبغض النظر ان كل ذلك ترافق مع رسائل تهديدية سرية الى جميع الممسكين بملفي التحقيق والمحكمة الدولية، فإن سمعة المخابرات السورية من جهة أولى والمعرفة بالشخصية الإنفعالية القاتلة للرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية ودخول الحزب الأمني بامتياز المتدثر باسم الله على الخط من جهة ثالثة، وضعت ملف الرئيس الشهيد رفيق الحريري على خط الزلازل ، لأن القضاة اللبنانيين، مع حفظ حقهم بالتنويه بصمودهم البطولي، أصبحوا خارج دائرة الطمأنينة.
وهنا بالذات، يمكن إدراج العملية الثالثة التي استهدفت منزل القاضي رالف رياشي تحت ستار السرقة، فكانت صرخة وزير العدل بحماية التحقيق من خلال سحب الفتيل القاتل الممتد نحو قضاة لبنان.
وهذه الصرخة على أهميتها، لا يمكن اعتبارها استهدافا للموقوفين في قضية اغتيال الرئيس الحريري، بل يمكن وضعها في خانة تسهيل أمور "الأبرياء منهم"، ذلك أن "تكتيك" جميل السيد يقوم على المعادلة الآتية: تحييد القضاء الدولي والهجوم بالبعد السياسي على التحقيق اللبناني.
عمليا هو يقول إنه بريء في نظر القضاء الدولي وغيره متورط بتوريطه. هذا يعني ان انتقال الملف الى عهدة بلمار، مدعيا عاما، يفترض ان يريح "حزب الجنرالات" لأنه سيطلق سراح "عصابة المظلومين" ويدخل مكانهم الى السجن "عصابة المزوّرين" (!) أو تستقيم الحقائق ـ وهذا مؤكد ـ فيبقى جنرالات الأمن السوري في سجونهم مع إمكان نقلهم الى لاهاي مع آخرين مدرجين على لائحة انتظار.

ليست هناك تعليقات: