الأحد، أبريل 27، 2008

أولمرت للأسد: نظامك باقِ لو تعرّيت!!

عندما قلنا إن الصانع الرئيس للسياسة في الشرق الأوسط، هو المثلث الاسرائيلي ـ الإيراني ـ التركي. قال لي صاحبي (وهذا استعارة مشكورة من فيصل سلمان) قال: ظلمت العرب، عرب الصمود والتصدي. أقول لصاحبي: جملة "قصيرة" نقلت عن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان للاسد؛ بأن اسرائيل تعيد الجولان مقابل سلام حقيقي معه، جملة قصيرة ومنقولة وليست تصريحاً رسمياً علنياً لأردوغان. جملة، قيل عن قال، حركت الجمود واللبس والتخبط حول مسار التفاوض السوري ـ الإسرائيلي، وأثارت، احتفالية وأفراحاً في الإعلام السوري؛ بدت معها الاحتفالية بدمشق عاصمة للثقافة العربية فضلاً عن خزعبلات وأضاليل مؤتمر تجديد الفكر القومي... بديا هزيلين قميين ولا لزوم لهما، وعلى عمال النظافة الاسراع في القائهما في معامل القمامة تحت طائلة المسؤولية.
لا وكلا يا صاحبي، لم اظلم العرب، عرب الصمود والتصدي وقلبهم الاسدي الممانع النابض بالفرح واقتراب الفرج.
بعد هذا الكلام الواقعي البائس اليائس الحزين، فلننتقل إلى الحاضر السياسي السوري الاسرائيلي، وإلى التصريحات الهائجة الواعدة الموعودة لإعلاميين ومسؤولين سوريين يعلنون فرحتهم بأن حلم الاسد بالتفاوض العلني مع اسرائيل اصبح قريب المنال (بثينة شعبان، بشار الجعفري، الشعيبي، الفضائية السورية، كافة مواقع المخابرات السورية الالكترونية).
1 ـ قالت وزيرة المغتربين بثينة شعبان، قالت وردة الاعلام السوري الاصطناعية لـ"الجزيرة" في 23/4/2008: "إن هناك جهوداً ـ لاحظوا الجمع في كلمة جهود ـ تبذلها اطراف صديقة ـ تركيا مثلاً ـ لتحقيق الاتصال العلني بين سوريا واسرائيل، هذه ليست حديثة، وأن الجانب الاسرائيلي يعلم كل العالم ما هو مقبول وغير مقبول لدى سوريا". رائع جداً تفاهم الأحبة وتبادل القبول. وألقى الأسد النكتة الماركسية التالية: "المسؤولية في ارتفاع الأسعار تقع على السياسات اللاعقلانية التي تنتهجها بعض الأطراف الدولية". قال: "بعض" ونسي العولمة ـ تسلم لي شو ديبلوماسي.
3 ـ بشار الجعفري مندوب النظام السوري في الأمم المتحدة قال: "نحن منخرطون في عملية السلام بشكل علني، وليس هناك أي اتصالات سرية". لاحظوا كلمة منخرطون، بوركت للجعفري جذالة الفصحى الفظعى العربية. الجعفري ينكر وجود المفاوض السري السوري مع الاسرائيليين ابراهيم سليمان وينكر الاتصالات العشرين. اظن ان سليمان ولينيل أصدق من الجعفري، وما يؤكد ذلك ان "مارك ريفيف" الناطق باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي لم يؤكد أو ينفي زيارة رئيس طاقم مستشاري أولمرت قبل بضعة شهور للأسد.
4 ـ قال أولمرت في إحدى رسائله السرية للأسد: "لا نزال نرفض إسقاط نظامكم". مبروكة على النظام وطنيته ومبروك على خصومه التحاقهم بالأميركان.
5 ـ قال الشعيبي الاعلامي السوري الديجتال المعدل سلطوياً، قال: "آن أوان انطلاقة المسار السوري ـ الاسرائيلي. وطالب بـ "عملية سلمية رصينة بين السوريين، والاسرائيليين". لاحظوا الابداع في لفظة رصينة. ونصح الشعيبي عائلة بوش أن تحمّل ابنها جورج دبل يو بوش مسؤولية انهيار سمعة العائلة ـ الشعيبي ذو الضمير الوطني الحر حريص على سمعة العائلية البوشية، ويقدم نصائحه مجاناً ـ وهذا من العجائب والتفاهات، ومع هذا فالشعيبي يرى أن السوريين يشترطون وجود الطرف الأميركي كشريك نزيه، والمتغيرات مكثفة وواعدة. ان فرويد وتلامذته عاجزون عن تحليل العبقرية الاعلامية للديجيتال الاعلامي السوري العظيم. الشعيبي يغلف رغبة الاسد المحمومة بالتفاوض العلني مع اسرائيل؛ بورق الشروط الهشة الرديئة، ويعلبها بجمل مشوشة ومرتبكة وانشائية فارغة تؤكد تهافت سيد سيد سيد سيد سيده الأسد المهرول نحو اعلان اسرائيل بحماية نظامه من السقوط، رغم تعهد اولمرت بذلك سراً.
في ضوء هذه الاحتفالية الاعلامية الراقصة، وعلى وقع الدبكة الديكتاتورية السورية الهائجة المائجة بفرحة الايجاب والقبول بين أولمرت والأسد، في ضوء تلك المهزلة؛ على مؤتمر المحامين العرب، والمؤتمر القومي العربي، ومؤتمر الأحزاب العربية، وجملة الممانعين الأشاوس افراداً وجماعات، شيوعيين سابقين وقوميين لاحقين، وقوميين سابقين ولاحقين، على كل تلك الهمروجة ان تبحث عن مكان آخر غير دمشق، تطلق منه صواريخ الممانعة القادرة على هزيمة اسرائيل واقامة الامبراطورية العربية العظمى. واقترح أن تكون طهران مكان مؤتمراتهم المقبلة، فطهران حينها جديرة ان تكون قلب العروبة النابض. وقنبلتها النووية ضمانة العرب والمسلمين لهزيمة المشروع الأميركي الشرق أوسطي، وانتصار المهابيل وعباد احلام اليقظة المخبولة، وأجُراء العقل الديكتاتوري في أرض العرب المجيدة لو صحت الجملة المنقولة عن أردوغان، ومن أولمرت للأسد، وأظنها صحيحة شكلاً وملتبسة مضموناً. ولو تم فرح النظام السوري بالعناق مع الإسرائيلي في عرس كما يشاء ويحب، ولا أظنه سيتم، ولو دلّعت أميركا إسرائيل بموافقتها على التفاوض، ولا أظنها ستفعل الا في حدود المناورة، وشرط ان يقعد المفاوض الديكتاتوري السوري عارياً خلف طاولة التنازلات لا المفاوضات، عارياً من قفطانه الإيراني وكوفيته الحماسية الزرقاوية وقفازاته المجرمة في لبنان.
ولو ولو ولو... فان الحقيقة التي لا لبس فيها أن النظام السوري كسب جولة بقائه لزمن أطول، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، وأظنه المحكمة الدولية. والمحكمة هنا ليست فقط لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وانما هي أيضاً محكمة للضمير والعدالة والحضارة الدولية في نهاية الأمر.
وأرجو أن لا تسخروا من هذه الجملة الاخيرة، فلو مات الضمير الحضاري الدولي، على الانسانية السلام، وعلينا جميعاً لعنة الرجال البدائيين سكان الكهوف الحجرية.

ليست هناك تعليقات: