السبت، أبريل 12، 2008

إيران وسوريا تكرّران أخطاء صدام حسين

طهران تريد مظلة نووية عسكرية لحماية مخططاتها وحلفائها

"حذرت دول غربية بارزة جهات عربية رفيعة المستوى من ان النظام الايراني يرتكب الاخطاء الفادحة ذاتها التي ارتكبها نظام صدام حسين. واستندت في تحذيرها الى معلومات مثيرة للقلق تلقتها من طهران وتؤكد ان القيادة الايرانية مصممة، اياً يكن الثمن، على امتلاك مظلة نووية عسكرية من اجل احداث انقلاب تاريخي في موازين القوى في الشرق الاوسط لمصلحتها، على اساس ان مثل هذه المظلة تؤمن الحماية لتحركاتها وخططها المختلفة ولاعمال حلفائها ونشاطاتهم، وعلى رأسهم النظام السوري و"حزب الله" و"حماس"، الهادفة الى اضعاف الانظمة العربية المعتدلة وتعزيز نفوذ المتشددين في عدد من الساحات الاقليمية.
ووفقا لهذه المعلومات فان القيادة الايرانية تواصل مساعيها السرية لتطوير عمليات تخصيب الاورانيوم ولامتلاك القدرات اللازمة لانتاج السلاح النووي في مستقبل منظور وذلك باشراف وزارة الدفاع وبتعليمات من مرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي. كما ان القيادة الايرانية تنفذ عملية خداع واسعة في تعاملها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتمنع مفتشي الوكالة من تفقّد عدد من المنشآت النووية الايرانية السرية المستخدمة لاغراض عسكرية، وهو ما يجعل المدير العام للوكالة محمد البرادعي يرفض اصدار بيان رسمي حاسم ونهائي يؤكد، وفقا لما تريده طهران، ان البرنامج النووي الايراني هو لاغراض سلمية مدنية وليس لاغراض عسكرية".
هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية غربية وثيقة الاطلاع في باريس، واكدت ان النظام الايراني يرتكب الاخطاء الفادحة الكبرى ذاتها التي ارتكبها نظام صدام حسين، اذ ان الرئيس العراقي الراحل سعى في الثمانينات الى امتلاك كميات ضخمة من اسلحة الدمار الشامل بما فيها الاسلحة النووية، وذلك بهدف تأمين حماية لنظامه ومظلة تسلحية هائلة لخططه الطموحة في المنطقة والتي بلغت ذروتها في عملية غزو الكويت صيف 1990، مما شكل فعليا بداية النهاية لنظامه ولتركيبة الحكم في العراق ككل.
واوضحت المصادر ان النظام الايراني الحالي يبدي "ثقة مفرطة" في قدراته التسلحية والنووية الذاتية، ويعتمد سياسة غير واقعية في تعامله مع دول المنطقة ومع الدول الكبرى، خلافا لما كانت عليه الحال في مرحلة حكم الرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي. لكن هذه الثقة الايرانية في الذات تستند، وفقا للمصادر الغربية، الى حسابات خاطئة وتقويم غير دقيق لموازين القوى المختلفة في المنطقة. ولقد رأت الدول الكبرى والدول الاقليمية المختلفة انها الحسابات الخاطئة ذاتها التي اعتمد عليها صدام حسين وادت الى اسقاط نظامه.
وشددت هذه المصادر على ان العالم لن يرضخ للامر الواقع الذي تريد طهران فرضه على الجميع، وان هذا التصميم الايراني على امتلاك مظلة نووية عسكرية سيصطدم بتصميم الدول الكبرى على حماية الشرق الاوسط بمختلف الوسائل، بما فيها العسكرية، من تغييرات جذرية في موازين القوى تكون لمصلحة المحور المتشدد السوري – الايراني، لان حدوث تغييرات كهذه يهدد ليس فقط الامن والسلام الاقليميين والمصالح العربية الحيوية، بل يهدد ايضا الامن والسلام الدوليين ومصالح العالم الغربي عموما.

العرض الدولي لايران

ضمن هذا الاطار، كشفت مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع ان المسؤولين الاميركيين والاوروبيين والروس المعنيين بهذه القضية ابلغوا الى القيادة الايرانية اخيرا، وبصورة غير معلنة، استعدادهم لاجراء مفاوضات جدية ومفصلة معها بهدف عقد صفقة متكاملة تتناول في وقت واحد مصير البرنامج النووي الايراني ومستقبل العلاقات الغربية – الايرانية – الدولية والدور الايراني في المنطقة، وبحيث تجري هذه المفاوضات على اساس العرض الرسمي الذي قدمته الى طهران في حزيران 2006 الدول الست الكبرى اميركا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا، مع احتمال تحسين هذا العرض خلال عملية التفاوض من دون ادخال تعديلات جوهرية عليه. وتم التشديد خلال هذه الاتصالات على ان القيادة الايرانية لن تحصل على "عرض دولي سخي افضل" من ذاك الذي تقدمه اليها الدول الست الكبرى، اذ انه يتضمن استعداد هذه الدول لاقامة علاقات شراكة وتعاون ليس لها سابق بينها وبين الجمهورية الاسلامية في المجالات النووية والتكنولوجية والاستراتيجية والاقتصادية والتجارية والامنية، وذلك في مقابل تخلي القيادة الايرانية عن كل مساعيها لانتاج السلاح النووي، وهو ما يشمل خصوصا تعليق عمليات تخصيب الاورانيوم في اراضيها، ووقف مختلف النشاطات التي تمنح الايرانيين القدرة على امتلاك القنبلة النووية.
وبشكل محدد يتضمن هذا العرض، الذي أبدت الدول الست الكبرى استعدادها مجددا للتفاوض على اساسه مع ايران بهدف عقد صفقة معها، الامور والعناصر الاساسية الآتية:
أولاً، الدول الست مستعدة لتطوير علاقات التعاون مع ايران في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
ثانياً، الدول الست مستعدة لبناء مفاعلات نووية جديدة تعمل بالماء الخفيف في ايران وتحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتمكين الايرانيين من استخدام الطاقة النووية للاغراض السلمية.
ثالثاً، دول الاتحاد الاوروبي مستعدة لتوقيع اتفاق للتعاون النووي مع ايران يقتصر استخدامه على الاغراض السلمية والمدنية.
رابعاً، دول الاتحاد الاوروبي مستعدة لاقامة شراكة استراتيجية طويلة الامد مع ايران تشمل تطوير قطاعي النفط والغاز الحيويين وتحديثهما بمساعدة اوروبية، كما تشمل تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي مع ايران وانشاء خطوط انابيب لتصدير النفط والغاز الايرانيين الى الخارج.
خامساً، الدول الست الكبرى مستعدة لتعزيز التعاون مع ايران في مجالات التكنولوجيا المتطورة.
سادساً، الدول الست الكبرى مستعدة لتقديم ضمانات رسمية الى ايران بتزويدها الوقود النووي من اجل الاستخدام السلمي، واشراكها في مركز دولي لانتاج الوقود النووي يتم انشاؤه في روسيا ويعمل في اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
سابعاً، الدول الست الكبرى مستعدة لتعزيز الحوار والتعاون مع ايران في شأن القضايا الامنية في منطقة الخليج، كما انها مستعدة للعمل على اقامة ترتيبات امنية اقليمية بين دول هذه المنطقة تشمل ايران، وذلك للمرة الاولى منذ قيام الجمهورية الاسلامية عام 1979.
واوضح ديبلوماسي اوروبي مطلع: "ان الحرص الدولي على عقد صفقة كبرى كهذه ليس لها سابق مع ايران ناتج من تصميم الدول الكبرى على اعطاء الاولوية لاقناع الايرانيين بالتخلي عن انتاج السلاح النووي عبر الحوار والتفاوض بدلا من اللجوء بسرعة الى القوة المسلحة. كما ان الدول الكبرى راغبة، عبر تقديم هذا العرض، في دفع القيادة الايرانية الى التخلي عن سياساتها المتشددة وعن خططها لتوسيع نطاق نفوذها ومحاولة الهيمنة على الخليج وعلى ساحات اقليمية اخرى. ولكن اذا فشل الحوار ولم تتمكن الجهود السلمية والديبلوماسية من وقف مساعي ايران لامتلاك السلاح النووي، فان الباب سيكون مفتوحا حينذاك امام استخدام القوة العسكرية ضد اهداف ومنشآت ايرانية نووية وحيوية وعسكرية".

شروط طهران

ماذا كان رد الفعل الايراني على هذا العرض الدولي؟
المصادر الاوروبية المطلعة اكدت لنا ان القيادة الايرانية حددت موقفها من هذا العرض الدولي بالتشديد على الامور الاساسية الآتية:
أولاً، القيادة الايرانية ترفض التخلي عن استقلالها النووي في مقابل اقامة شراكة وعلاقات تعاون واسعة مع الدول الكبرى ومع العالم الغربي عموما، بل انها مصممة على التمسك باستقلالها النووي، ايا تكن الاغراءات المقدمة اليها والتهديدات والاخطار التي تواجهها.
ثانياً، الاستقلال النووي يعني، بالنسبة الى الايرانيين، مواصلة عمليات تخصيب الاورانيوم في اراضيهم من اجل امتلاك الدورة الكاملة لانتاج الوقود النووي، وهو ما يمنح ايران القدرة على انتاج السلاح النووي حين تقرر ذلك، وفقا للمصادر الاوروبية.
ثالثاً، ان القيادة الايرانية مستعدة للتفاوض مع الدول الكبرى لكنها تضع ثلاثة شروط محددة لبدء هذه المفاوضات، هي:
1 – ان تمتنع الدول الكبرى عن مطالبة ايران بوقف عمليات تخصيب الاورانيوم في اراضيها لان ذلك لن يحدث.
2 – ان تشمل هذه المفاوضات مختلف القضايا الاقليمية التي تهم الطرفين وليس فقط الوضع في الخليج وفي مقدم هذه القضايا العراق ولبنان وفلسطين، اضافة الى الامن في الخليج ومصير البرنامج النووي الايراني.
3 – ان يسبق بدء هذه المفاوضات حصول ايران على ضمانات رسمية دولية بعدم تعرضها لهجمات عسكرية من جانب اي دولة نتيجة مواصلة نشاطاتها النووية وعمليات تخصيب الاورانيوم، التي يقول المسؤولون الايرانيون انها "لاغراض سلمية وليست لاغراض عسكرية".
واكدت المصادر الاوروبية المطلعة ان الدول الست الكبرى رفضت هذه الشروط، وانها ليست مستعدت للتفاوض مع الايرانيين على اساسها، اذ انها تتخوف من ان تستغل القيادة الايرانية عملية التفاوض هذه، التي ستستمر لاشهر عدة، للتغطية على مواصلة نشاطاتها السرية من اجل امتلاك السلاح النووي ووضع العالم امام هذا الامر الواقع الجديد الذي سيشكل تهديدا بالغ الخطورة على المنطقة وعلى الامن والسلم الدوليين.
وكشفت لنا المصادر الاوروبية المطلعة ان "نظام الرئيس بشار الاسد يؤيد هذا الموقف الايراني خلافا لسائر الدول العربية، وخصوصا الخليجية منها والتي تشعر بقلق كبير من هذا التصميم الايراني على امتلاك السلاح النووي، كما ان نظام الاسد يشاطر القيادة الايرانية حساباتها ورهاناتها، ويبدو مقتنعا بأن الايرانيين سيتمكنون من امتلاك السلاح النووي وفرض هذا الامر الواقع الجديد والخطر على العالم، وهو ما يعزز، في تقديره، مواقع سوريا في لبنان والمنطقة".
واضافت هذه المصادر: "ان المسؤولين الايرانيين والسوريين يخطئون كليا في حساباتهم ورهاناتهم هذه، اذ ان تحدي المجتمع الدولي والمجموعة العربية ككل لن يمنح ايران وسوريا القوة والمناعة والقدرة على تنفيذ خططهما وتغيير المعادلات في المنطقة لمصلحتهما. بل ان تحدي المجتمع الدولي بهذا الشكل، وخصوصا عبر السعي الى امتلاك السلاح النووي، سيدفع الدول الكبرى وسائر الدول المعنية الى استخدام كل الوسائل والامكانات اللازمة لحماية المنطقة من تغييرات جذرية ومن اخطار هائلة تمس الامن والسلم الدوليين. وقد حدث ذلك في السابق واكثر من مرة وسيحدث ايضا في مستقبل منظور في حال لم يتراجع المحور السوري – الايراني عن مخططاته هذه. وستتحول المظلة النووي العسكرية التي تريد ايران اقامتها مصدر تهديد جدي كبير لها ولحلفائها في المنطقة، اذا لم توقف مساعيها لانتاج السلاح النووي.

ليست هناك تعليقات: