الجمعة، أبريل 18، 2008

استعارة "فزّاعات" الزمن السوري تُلهي اللبنانيين عن التصدي لانتشار "القاتل الصامت"

"حزب الله" يستكمل بناء دولته وعون يُغطي تهديم الدولة

يُظهر التدقيق بالوقائع السياسية أن ما يربط "حزب الله" بالعماد ميشال عون ليس ورقة تفاهم بل جسر مقايضة. ورقة التفاهم لا تعدو كونها ورقة التوت التي تستر "عورات" الهاربين من جنة السيادة والإستقلال الى جحيم الأنانية والمشاريع الإقليمية، أما المقايضة فواضحة المعالم. "حزب الله" يُبقي كرسي الرئاسة شاغرة لـ"عريسها الولهان" والعماد عون يُساهم، بشعاراته المستعارة من الزمن السوري، في إدخال البلاد في مرحلة الفوضى الدستورية التي لا مخرج منها سوى بإعادة النظر في أسس الجمهورية.
إعادة النظر في أسس الجمهورية ليست تجديداً للجمهورية، بل تقويض لها، بحيث تصبح مندمجة في المخطط الإيراني الكبير. الحكم هنا غير مبني على النيات بل على المعلومات والمعطيات الثابتة.
ماذا يفعل "حزب الله"؟
متستراً بشعار المقاومة، أصبح "حزب الله" دولة ضمن "اللادولة".
جيشه جاهز عدة وعديداً، وكذلك أجهزته الأمنية. يقيم تعاوناً على طريقته مع النظام السوري ويندمج، وفق عقيدة تأسيسه بالقرار الإيراني. يتفاهم مع البعثات الأجنبية ويتعاون مع كل من يراه مناسباً لمشروعه. ممنوع على أي كان أن يتدخل بشؤونه، وإن "تجرأ" احد على خرق "الخط الأحمر"، فالشتيمة والتخوين والتلميح بالإغتيال في جهوزية منقطعة النظير. في المقابل، الجيش اللبناني ومعه سائر المؤسسات الأمنية، خاضع لمساءلة "حزب الله"، فهو وطني إن كان بخدمة أهداف هذا الحزب العسكرية والأمنية والسياسية، وهو صهيوني ـ متأمرك إن خرج من "بيت الطاعة".
وجيش "حزب الله" أصبحت له متفرعات عسكرية في أكثر من منطقة لبنانية، ففي مواجهة العدو الإسرائيلي لم يفعّل "سرايا المقاومة" ولكنه في المواجهة الداخلية جهّزها وحضّرها وموّلها وسلّحها.
ولأن الإنتشار أصبح على امتداد رقعة الوطن، فإن "حزب الله" أقام ـ وهو مستمر في إقامة ـ شبكة اتصالات مستقلة كليا عن شبكة الدولة اللبنانية.
وعلى المستوى القضائي، فإن "حزب الله" نصّب نفسه قاضي القضاة، فهو بمناسبة تنفيذ الخطة الرامية الى إطلاق سراح اللواء الموقوف جميل السيد، يرعى حملات تهديد القضاة اللبنانيين وشتمهم وإهانتهم وحتى تخوينهم، ويذهب بعيداً في تصنيف الشهود، فمن يناسبه هو موثوق ولو أنه "شيخ الكذابين" ومن لا يناسبه فهو منافق، ولو أنه كان "شيخ الصادقين".
وعلى المستوى الخارجي، هو يقيم علاقات مستقلة عن علاقات الدولة اللبنانية كما يقيم أطر تعاون غير مقبولة في أي إطار تنظيمي لأي كيان دستوري.
وعلى المستوى الإعلامي، يخرق "حزب الله" كل الأصول المهنية، فيشتم ويُزوّر ويتّهم، في حين أنه جاهز لإطلاق مارد "الشر المستطير" ضد كل من يتعرّض، ولو بمزحة، لقياداته.
ويترافق كل ذلك، مع رعاية "حزب الله" للفراغ الشامل على مستوى الدولة، فرئاسة الجمهورية "أسيرة" وكذلك المجلس النيابي أما الحكومة فتصارع من أجل منع شلّها، وقيادة الجيش مرشّحة للفراغ، وقوى الأمن الداخلي ممنوعة من دخول مجموعة من المناطق ـ الجزر.
باختصار، إن هذا المشهد الوطني هو الأساس في استشراف مستقبل لبنان، وليس رفع الشعارات التخويفية التي لا أفق لها في لبنان كتوطين اللاجئين الفلسطينيين، أو فتح ملفات الحرب بين الأطراف الداخليين من أجل إخافة اللبنانيين من ماضيهم في حين أن ميليشيا الحاضر الحزب اللوية هي الخطر الحقيقي الداهم.
ومن يعرف تأثير لغة الوقائع على كيانات الدول، يدرك أن "حزب الله" متسترا بعون ـ العريس، يتجه الى تغيير صورة لبنان، إما بتغيير دستور الدولة وصلاتها الخارجية وارتباطاتها العسكرية، وإما بتغيير الواقع الميداني من خلال فرض نفسه بالقوة على المشهد السلطوي.
وهنا بالتحديد تكمن المواجهة، فهي ليست سلطوية بل كيانية.
وهذه المواجهة ستبقى ناقصة إن لم يندمج فيها المناخ الشعبي الذي سار وراء العماد ميشال عون، ولا يزال مرتبطا به. وهذه المهمة ليست مستحيلة، ولكنها بحاجة الى جهد مكثّف يمنع سلوكية التضليل والشائعة، كما إلى إيجاد مساحة مستقطبة بعيدا عن الأنانيات الحزبية.
وما يُعطي أملا على هذا المستوى لا يتصل ببدء ابتعاد النخب النوعية عن عون فحسب بل بتلمس شخصيات مخضرمة، على قياس ميشال المر أن الأرض لم تعد رائحتها عونية. وهذا ما يعتقده كثيرون، وما كلام عون عن إمكان انضمام أربعة نواب من الموالاة الى تكتله، سوى محاولة منه لرفع معنويات من بقي معه من القواعد الشعبية ومناسبة لتهديد من يفكر من نواب تكتله بالسير على طريق المر، من خلال تذكيره ـ بطريقة مواربة ـ ان الإنتقال من مكان سياسي الى آخر، يستوجب القتل... ومعروفة الجهة التي تقتل في لبنان، منذ الاول من تشرين أول 2004.
إلا أن التركيز على التعاطي الإيجابي مع مناخ عون لا يكفي لوحده، فعون الحالي هو مجرد امتداد لـ"حزب الله"، وبالتالي فإن التصدي للخطر الكياني يفترض التصدي بتصميم لكل مخططات "حزب الله" وفيها الكثير من الأمراض الوطنية القاتلة بصمتها.
وعلى هذا الأساس، فإن التطلع الى وضع حد نهائي للحالة الشعبية العونية يفترض التطلع الى محاولة وضع حد لتمادي "حزب الله" في مساعيه الحثيثة لاستكمال بناء دولته على ركام دولة جميع اللبنانيين.
وهذه مهمة عاجلة جدا، فمن يسعى الى الحفاظ على لبنان يستحيل عليه أن يقبل باستمرار "حزب الله" في طريق الإنقلاب الشامل.

ليست هناك تعليقات: