السبت، أبريل 19، 2008

النظام السوري يدّعي البراءة ويرفض العدالة !

 سجّان سوريا الديكتاتور الشاب بشار أسد

أفعاله تدينه ومؤشرات تورطه بالاغتيالات تتكاثر

لا ينفي النظام السوري رغبته في نسف المحكمة الدولية من الأساس بحُجة أنه بريء من دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري والأعمال الإجرامية التي تلت. غير أن التصرف الطبيعي للبريء أن يطلب تحقيق العدالة، لا أن يرفضها بحجة أنها ستكون مسيّسة، فيما الأدلة الاتهامية لم تعرض أمام المحكمة بعد!. بطبيعة الحال فإن لجنة تحقيق دولية ـ مكونة من محققين من 17 بلداً (ليس بينهم أي محقق من أميركا أو بريطانيا)، تعاقـَب على رئاستها ثلاثة محققين دوليين، وستعرض الأدلة التي جمعتها عن الجرائم التي وقعت في لبنان منذ محاولة اغتيال مروان حمادة إلى اليوم أمام محكمة تضم قضاة من جنسيات مختلفة، ووفق أرفع المعايير الدولية للعدالة ـ، هي أفضل ما يتمناه أي بريء، إلا إذا كان يدّعي البراءة ويخشى قضاءً يختلف عن القضاء في الدول العربية ولاسيما في سوريا.

المتهم يقول خذوني

هدفت السياسة الخارجية للنظام السوري إلى إعاقة قيام المحكمة منذ البداية، أو بالحد الأدنى إعاقة إدانتها لشخصيات من "عصب" النظام الحاكم. وقد ضغط النظام السوري لهذه الغاية على حلفائه في لبنان لرفض تمرير مشروع المحكمة في الحكومة أو البرلمان اللبناني، كما استنجد بحلفائه في العالم لتعديل نظام المحكمة بما لا يطال رأس نظامه، ولما انتصرت إرادة "14 آذار" وأصبحت المحكمة حقيقة قائمة، جعل النظام السوري هدفه الأساس إبرام صفقة تطيح المحكمة الدولية مقابل تسهيله الحل في لبنان وفي عدد من الملفات المسؤول عن تعقيدها في المنطقة.
رغبة النظام السوري في عقد صفقة على حساب المحكمة الدولية ليست اتهاماً مجرداً من الدليل، فوزير الخارجية السوري وليد المعلم نفسه يقول في مقابلة تلفزيونية في الأول من نيسان الجاري إن "صفقات عُرضت على سوريا حول المحكمة من أصحاب هذه المحكمة وغيرهم لم نأبه أو نلتفت لها"، مشيراً إلى أن العروض "راوحت بين قتل موضوع المحكمة إلى تجميدها بضع سنوات إلى عدم المساهمة في تمويلها". المعلم كان يحاول التأكيد أن المحكمة مسيّسة، لكن الحكمة خانت "المعلم"، إذ لو لم تكن سوريا متورطة لما عرض "أصحاب المحكمة وغيرهم" صفقة عليها بهذا الشأن؟!. غير أن ثمة أمراً أصح من هذا الاستنتاج، وهو أن المعلم عبّر عما يتمناه وليس عن الحقيقة، إذ لو عُرضت هذه الصفقة فعلاً لقبلها نظامه على الفور.
بعد هذا الحديث بعشرة أيام اضطرت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للرد على السيناتور الجمهوري من ولاية بنسلفانيا آرلن سبكتر الذي اقترح بدء مفاوضات مع دمشق حول المحكمة تقضي بدراسة "إمكانية أن تكون العقوبات مخفضة لقاء تحقيق تقدم سياسي في المنطقة"، مضيفاً أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أبلغه في الآونة الأخيرة أن "المحكمة الدولية حول اغتيال الحريري هي مصدر القلق الرئيسي للأسد". رايس قالت أمام الكونغرس: "لا أعتقد أنه سيكون من المناسب أن نفترض أنه بوسعنا الحد من نطاق صلاحيات المحكمة التي سيمثل أمامها المتهمون باغتيال رفيق الحريري لأنها قد تورط بطريقة أو بأخرى النظام أو عائلة الأسد... أعلم أنهم يفكرون في ذلك لكن أعتقد أن هذه ستكون فكرة سيئة جداً".

أحداث عجيبة في سوريا

ثمة أحداث مريبة حدثت في سوريا منذ بدء التحقيق الدولي. ليس بالأمر الهين انشقاق عبد الحليم خدام وإعلانه تكراراً أن "الرئيس بشار الأسد أمر باغتيال الحريري". وليس بالأمر المنطقي أن ينتحر رجل النظام الحديدي، وزير الداخلية السوري غازي كنعان، "بسبب موقف الإعلام اللبناني منه"، وفق تعليل نائب الرئيس السوري فاروق الشرع!، وأن يتهم شقيقه علي كنعان النظام السوري بقتله، قبل أن يصبح علي كنعان نفسه "منتحراً" فوق سكة القطار في منطقة بستان باشا، بعد أقل من عام على انتحار شقيقه، بسبب "حالة من الكآبة"، وفق تعليل الإعلام السوري الرسمي. رئيس الأركان السابق للجيش السوري حكمت الشهابي بات أيضاً خارج البلاد منذ مدة، ولكنه صامت. والآن جاء دور رئيس المخابرات السورية آصف شوكت الذي جرى وضعه في الإقامة الجبرية على ما كشف عنه عبد الحليم خدام مؤخراً، رغم حرص النظام على إظهاره في حفل تكريم دفعة من الضباط قبل أيام، أما زوجة شوكت بشرى، شقيقة الرئيس بشار الأسد، فقد انتقلت إلى الخليج، وتتردد معلومات حول سعيها الى الحصول على لجوء سياسي. أما رامي مخلوف، ابن خالة الرئيس بشار الأسد، وشقيق مسؤول مديرية الاستخبارات العامة السورية حافظ مخلوف، فيبدو أنه منهمك في حماية استثماراته التي تدر عليه سنوياً أكثر من مليار دولار، بعدما فرضت عليه الولايات المتحدة الأميركية في شباط الماضي عقوبات اقتصادية. ثمة أوضاع جديدة تنشأ في سوريا التي يدّعي نظامها البراءة، فيما الأحداث الغامضة والمريبة يجمعها كلها ارتباطها بالمحكمة الدولية.

... وحملات مريبة في لبنان

أما في لبنان فمن الملاحظ هذه الأيام اشتداد حملة حلفاء سوريا لإطلاق الضباط الأربعة، رغم أن كبيرهم، جميل السيد، يصرّح للصحافة من سجنه ذي الخمس نجوم، أكثر من رئيس أكبر كتلة برلمانية في لبنان. يتزامن ذلك مع حملة تشويه حقائق عنوانها خطف أو تصفية محمد زهير الصديق، تولاها حلفاء سوريا وإعلامها في لبنان، وانخرط فيها "حزب الله" لدرجة اتهم فيها أحد نوابه فرنسا بـ "إخفاء أو تصفية الشاهد الملك". وذلك قبل أن يتصل الصدّيق مجدداً بصحيفة "السياسة" الكويتية ويعلن أنه مضطر للاختفاء في مكان ما في أوروبا "بعد التعرض لثلاث محاولات اغتيال كان آخرها محاولة قتله بالسم". وبغض النظر عن كون الصديق شاهداً ملكاً أم لا، فإن الرجل طوال فترة وجوده في فرنسا لم يغيّر من اتهاماته للنظام السوري رغم ما قيل عن انتزاع أقواله تحت الضغط. وإذا كان الحال كذلك، فمن هي الجهة صاحبة المصلحة بتصفيته؟! ألا يثير الدهشة أن يكون أول من يعلن عن اختفاء الصديق وئام وهاب، أحد أهم الأبواق السورية في لبنان؟ وأن يسبق الاختفاء حديث أمني عن مخطط لاغتياله أو خطفه إلى دمشق، لينضم إلى هسام هسام الذي لعب دور البطولة في مسرحية جنائية من إخراج المخابرات السورية؟ وأن تتولى وسائل إعلام سورية نسج خرافات عن علاقة أسماء بارزة من فريق 14 آذار بهذا الاختفاء؟!.

... وتستمر المحاولات

محاولات النظام السوري لـ"التعامل" مع واقع المحكمة الدولية بما يحفظ استمراريته مستمرة. المشكلة الأساس لهذا النظام أنه عائلي فاسد، وإدانة أحد أفراده ستكشف الكثير من المستور، وستفجّر من الخلافات داخل عائلة الأسد وأنسبائها ما قد يطيح وجودها على رأس الحكم، لذلك تتكثف محاولات الرئيس بشار الأسد حالياً لتأمين حد أدنى من الغطاء العربي بما يخفف من تأثيرات المحكمة الدولية عليه. ويبدو من خلال ما تسرّبه وسائل الإعلام السورية بخصوص اغتيال عماد مغنية أن النظام السوري يريد أن يجعل من هذه القضية عامل ابتزاز لبعض الدول العربية من خلال تلفيق تورط أجهزتها الأمنية في الاغتيال. كما أنه يستبقي الحل في لبنان كورقة تفاوض مهمة مع الدول العربية. أما بديله في حال فشل الوسطاء، فهو المزيد من التأزيم في لبنان والمنطقة، والمزيد من الارتماء في أحضان إيران، والمزيد من شعارات الممانعة التي تخفي واقع القمع في الداخل ومسار التفاوض السري مع العدو الإسرائيلي في الخارج.
توتر النظام السوري كان قد وصل قبيل مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في دمشق، إلى حد ارتكابه مجزرة مروعة في سجن صيدنايا، الذي يحوي قرابة 4000 سجين، ومعظم سجنائه السياسيين من الإخوان المسلمين، بحيث أقدم على إضرام النار في مهاجع السجناء ما أدى إلى وفاة العشرات منهم حرقاً، وقد اكتفت الرواية الرسمية بالإشارة إلى "اضطرابات" بين السجناء والمعتقلين السياسيين في هذا السجن!.
كان الله بعون الشعب السوري المسكين. كان الله بعون الشعب اللبناني المحكوم عليه الانتظار في حالة حرب باردة حتى يتدبر ذلك النظام أمره، أو يحين أوان حصول تلك السنّة الكونية الراسخة في نهاية الطغاة والظالمين.

ليست هناك تعليقات: