السبت، أبريل 12، 2008

زوابع ما قبل المحكمة

صراعات بدأت تكسر الحواجز والسرية، وتظهر للعلن وللرأي العام، تدور كلها حول العائلة الحاكمة في سوريا، وما يتبعها من دوائر تساهم في صنع القرار وهيكلية سلطوية تهيمن على الدولة والحياة والشعب.


هذه الأزمة تصاعدت في الأسابيع الأخيرة، والرقابة العربية على النظام السوري وفشل القمة العربية ومحاولات نظام الأسد في السير نحو طريق صفقة تراهنية مع (أميركا - إسرائيل) مقابل أوراق مقايضة لبنانية فلسطينية وعراقية، وزادت هذه الرغبة السورية بشكل زئبقي بعد بروز تشكيل المحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري، ووضع المجتمع الدولي خطوته الأولى على طريقها لجلب القتلة إلى محكمة القصاص.

فالنظام الحاكم في سوريا، يخوض غمار معركته (المصير) مع الأطراف الدولية والإقليمية وكأنه في النزع الأخير، وكلما زاد الطوق حول رقبته ينفّس عن ضعفه وخوفه بقمع الشعب والداخل السوري. ظهر ذلك مؤخراً في الاعتقالات العشوائية وقمع المتظاهرين بالقتل والتعذيب والسجون، إضافة إلى نشر الفقر والبطالة والعوزة ضمن المجتمع السوري، كسياسية لكبت الإرادة والطموح نحو الحرية على مسافات الحياة السورية الشعبية، وتصديره للإرهاب الأصولي إلى داخل العراق، وكشفه مؤخراً من قبل جهات عربية وإدارته لشبكات إرهابية مخيفة.

لكن أبلغ صور المعاناة والتشتت داخل العائلة الحاكمة، تلك المصادمات التي برزت واضحة بين الأسد الحاكم وصهره آصف شوكت، الذي صرّح خدام بشأنه لقناة أخبار المستقبل اللبنانية أنه أصبح تحت الإقامة الجبرية، وذلك بسبب دوره الرئيسي في اغتيال عماد مغنية بدمشق، ولجوء عائلة شوكت (بشرى الأسد) إلى دولة الإمارات. فالمحكمة الدولية التي بدأت نتائجها وآثارها تلقي بظلالها على المنطقة والعائلة المستبدة في سوريا باتت قريبة وبجدية دولية، وتشديد أميركي على السير فيها دون مماطلة أو تغاضٍ.

المصادر تؤكد، أن الأمم المتحدة أبلغت الحكومة اللبنانية أن القضاة اللبنانيين الذين تم اختيارهم للمحكمة الدولية في هولندا، سيكون لهم إلى جانب الحكومة اللبنانية صلاحية تنفيذ مذكرات الجلب التي ستصدرها المحكمة بحق عدد من المسؤولين اللبنانيين السابقين في عهد الاحتلال السوري في لبنان، ومنهم شخصيات سياسية هامة (سليمان فرنجية - ناصر قنديل - وئام وهاب - عبد الرحيم مراد.... إلخ)، وقد يطلب الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود كشاهد أمام المحكمة، إضافة إلى ضباط كبار في المخابرات والجيش.

أما في الجانب السوري، فهناك ضباط كبار في السلطة أمثال آصف شوكت - ماهر الأسد - رستم غزالي - وغيرهم ممن سيصدر بحقهم مذكرات جلب.

سوريا، ما زالت تسعى لأن تفعل أي شيء لأجل تعطيل المحكمة، وذلك عبر أزلامها وتبعاتهم داخل لبنان وأجهزتها الأمنية المنتشرة بكثافة. فمن الحملة التي أطلقتها لأجل إطلاق سراح الضباط الأربعة من خلال محاميهم والموالين لها، وذلك لشعورها بالقلق من أن يقوم هؤلاء الضباط بكشف كل المعلومات والحقائق أمام المحكمة مقابل ضمانات أو صفقات شخصية، والأمر الثاني هو محاولاتها تصفية محمد زهير الصّديق الشاهد الملك وإسكاته، سواء بالاغتيال أو الخطف، وخاصة بعد اكتشاف الاستخبارات الفرنسية لمتفجرات قريبة من مكان الصّديق في فرنسا. فالصّديق الذي صرّح سابقاً أنه يملك معلومات تدين شخصيات عربية وسورية ولبنانية كبيرة ضالعة في اغتيال الحريري، ولهذا تمّ إخفاء الصّديق بعد ورود معلومات أمنية من لبنان والأردن بوجود مخطط لاغتياله أو خطفه إلى دمشق.

هذه الزوابع والانكماشات التي تحيط بالصورة السورية وقضية المحكمة والتحشدات العسكرية الإسرائيلية وحتى الأميركية، والاستنفار السياسي والعسكري داخل سوريا، تؤكد أن المحكمة الدولية تكرّس مصداقيتها بعلانية وقانونية تحت إشراف مجلس الأمن والأمم المتحدة والدول العظمى. والمحيط العربي، أدرك تماماً أن النظام الحاكم في سوريا بات في موقع المسؤولية والحساب عن أفعاله وسياساته، وقد بدأت برفع الحصانة والغطاء العربي فعلياً عنه.

نيكولا ميشال، المستشار القانوني للأمين العام للأمم المتحدة يؤكد جدية المحاكمة والمحكمة: (الدول التي دعمت المحكمة مقتنعة أن المحكمة هي واقع بدأ يتجسد، وليس مجرد محكمة نظرية، وتنوع مصادر التمويل يزيد من مصداقية المحكمة، وهذه البلدان تدرك لماذا تشكّلت هذه المحكمة من أجل مساعدة السلطات اللبنانية للاقتصاص من مرتكبي الجريمة وللتأكيد أن الأغتيالات السياسية أداة مرفوضة، ومساعدة الشعب اللبناني ولقول "كفى"، ويجب تحديد مرتكبي الجريمة وإحضارهم أمام القضاء).

مهمة لجنة التحقيق في اغتيال رفيق الحريري ستنتهي في 15 يونيو حزيران، وقد تمدد لها وتمنح مهلة جديدة، ولكن بدء جلسات المحكمة وأعمالها يعود إلى الأمين العام للأمم المتحدة. والقرارات التي سيصدرها المدعي العام وبموافقة القاضي المشرف ستكون /ملزمة/. وهذا يعني أن الوضع السوري سيكون صعباً ومتأزماً، كون القرار 1757 يتضمن في إحدى فقراته الخاصة بتشكيل المحكمة إشارة إلى الفصل السابع، ذات الطابع الإلزامي لتنفيذ قرارات المحكمة.

إن المحكمة ورياحها بدأت تنخر في جسد من أساؤوا إلى الشعب والوطن والمحيط، وأصبح تاريخهم مروياً بالدم وقتل الإنسان دون وجه حق، وسيشهد العالم قريباً محاكمة وقرارات وسجونا كما شهدنا محاكمات سابقة لديكتاتوريات (صدام، ميلوزوفيتش، محاكمات راوندا) وغيرهم من مجرمي الحرب والإنسانية.

ليست هناك تعليقات: