الثلاثاء، نوفمبر 29، 2011

ما حفر ( الفهيم ) لنفسه .


كل أنظمة الطغيان تحفر لنفسها. ولكني لا أعرف نظاما حفر لنفسه أكثر مما فعل النظام "الفهيم" في سوريا.

خرج الناس في تظاهرات في درعا احتجاجا على انتهاكات لأجهزة الأمن ضد أطفال، فأرسل لهم الدبابات والمزيد من أجهزة الأمن. فخرجوا أكثر ليطالبوا بالحرية.

وعندما امتدت التظاهرات لتشمل كل مدن البلاد، لم يستوعب الدرس، وما كان منه إلا أن أرسل المزيد من قواته لتقتل وتقمع. فخرج الناس ليطالبوا، فوق الحرية، باسقاط النظام.

وبينما ظل المتظاهرون يرفعون شعار "سلمية، سلمية" لوصف احتجاجاتهم، فقد ظل النظام يزعم انه يلاحق عصابات مسلحة، وذلك حتى ظهرت عصابات مسلحة بالفعل، وحتى تحول الانشقاق عن الجيش الى ظاهرة، وحتى أصبح هناك جيش بكامله يستعد ليكون "عصابات مسلحة"، أكبر من أي عصابات مسلحة عرفها أي شعب.

وعندما رأى النظام أن هناك ربيعا عربيا يمتد من بلد الى آخر، فقد راهن على شعار "سوريا غير". ولكنه بدلا من أن يتصرف باعتباره "غير" في الحكمة والمنطق، فقد زاد في القهر حتى أثبت أن "سوريا غير" بالفعل، إنما في الاستبداد والعنف، مما صار يستحق أكثر من ربيع لا ربيعا واحدا.

وعندما مُنح الفرصة ليصلح ما فسد من دون تدخل من أحد، فانه بددها قائلا انه يواجه مؤامرة خارجية، وظل يبدد الفرصة بعد الفرصة، حتى أصبح تدخل الخارج شرا لا بد منه.

وعندما دعاه الخارج الى أن يقوم بقيادة مرحلة انتقالية، بالحوار، فانه اعتقل المعارضين، وضربهم، وذلك حتى أعلن الخارج، لفرط اليأس، ان هذا النظام "فقد الشرعية"، وانه لم يعد يصلح لشيء إلا الرحيل.

وعندما قال له الوطنيون أصلح، فانه زاد في الفساد.

وعندما قال له الأهالي، اطلق سراح المعتقلين السياسيين، فانه اعتقل المزيد.

وعندما قال له الصحافيون دعنا ندخل لنتحقق بأنفسنا من وجود "المندسين"، فانه أغلق الأبواب على صحافيي الداخل المستقلين انفسهم.

وعندما قال له الخبراء، ان جدار الخوف سقط، فانه أضاف الى أجهزة الخوف، مرتزقة من الداخل والخارج.

وعندما قيل له أسحب الدبابات ودع الناس يخرجون في تظاهرات سلمية، فانه ارسل لهم الشبيحة والدبابات معا.

وعندما ظل معارضوه يرفضون التدخل الأجنبي والتدويل، فانه زاد في قمعه واقصائه حتى للمعتدلين منهم، حتى أصبح التدويل خيارا للمتشددين وللمعتدلين معا.

وعندما وجهت له بعض الدول العربية نصيحة بأن يصغي لشعبه، فانه شتمها، وهاجم سفاراتها وقتل بعضا من رعاياها.

وعندما قدمت الجامعة العربية مبادرة لنجاته، وإطالة عمره، فانه لجأ الى التسويف، مثلما تعمد التسويف في كل شيء آخر، ظنا منه انه يستطيع أن يستغبي الآخرين.

وعندما ضاق الذرع بالجامعة العربية، وهددت بالتوجه الى مجلس الأمن، فانه زاد طينته بلّة، فأخرج مظاهرات تهاجم الجامعة العربية.

وعندما طالبه أهل الحكمة بان يتعامل مع مطالب شعبه بصدق، فانه ظل يكذب.

وعندما دعاه المتعقلون من مثقفي بلده الى الحوار، فانه اعتمد على أجهزته الأمنية لتختار متحاورين على مقاسه، وحتى هؤلاء لم ينفذ لهم ما طالبوا به. بل واعتقل بعضهم.

وعندما رأى ان الحفرة تزداد عمقا، فقد ظل يحفر.

هذا هو السجل الواقعي للأشهر التسعة الماضية برمتها.

فهل عرف التاريخ نظاما حفر لنفسه أكثر مما فعل هذا النظام؟

المنطق يقول: من يرى خطرا يرعوي. ومن يرى حفرة يتحاشاها. ومن يلج طريقا أعوج يخرج منه. ومن يرى عاصفة ينحني. ومن يرى شعبا يثور يصغي له. ومن يجرب خيارا فاشلا يستبدله. إلا من أصاب الله بصيرته بالعمى، فانه لن يرى حتى ولو كان طبيبا للعيون.

وغدا عندما يسقط بين أحضان الفوضى والتمزيق، فان أنصاره سوف ينسون كل شيء، ليقولوا "انها مؤامرة خارجية".

والحقيقة، هي ان البشرية لم تعرف نظاما تآمر على نفسه أكثر مما فعل هذا النظام.

وهو، مثلما اخترع صمودا لم يصمد على شيء، وممانعة لم تمانع في شيء، فانه اخترع عصابات مسلحة حتى رآها، ومندسين حتى تحولوا الى شعب بكامله، ومؤامرة حتى وقع فيها.

والسوريون، معتدلين ومتشددين، يقولون اليوم انهم لا يريدون تدخلا عسكريا أجنبيا. ولكن، راجع السجل، وستعرف ماذا سيفعل النظام الفهيم لنفسه.