السبت، أبريل 26، 2008

مسؤول عربي كبير: نظام الأسد ضعيف وقابل للاختراق

"اكد مسؤول عربي كبير لجهات دولية معنية بالملف اللبناني ان القادة العرب، بغالبيتهم العظمى، يرفضون التعامل مع الرئيس بشار الاسد على اساس انه قائد العمل العربي المشترك اذ انه، نظرياً، يرئس القمة العربية الدورية خلال فترة تنتهي في آذار 2009 لكنه، عملياً، لا يملك اي صلاحية لتوجيه سياسات المجموعة العربية او التأثير على مواقفها. واوضح ان نظام الاسد هو من يتحمل مسؤولية ضعفه وعزلته وانه قيد نفسه بنفسه نتيجة كل ما قام ويقوم به من اعمال في لبنان وفلسطين والمنطقة عموماً. والمشكلة، في رأي هذا المسؤول، ان نظام الاسد يرفض التراجع عن أخطائه او اصلاحها، كما يرفض الاعتراف بوجود تشدد عربي ودولي متزايد في التعامل معه، وهو ما عكسه اخيراً استبعاده عن الاجتماع العربي – الدولي في الكويت المخصص لمناقشة الازمة اللبنانية بعد نكسة الغياب العربي المؤثر عن قمة دمشق. فنظام الاسد يريد ان يفرض على الجميع "لبنانه هو" التابع له ويرفض الاعتراف بلبنان الحقيقي المتمسك بحقه المشروع في السيادة والاستقلال. وليست ثمة دولة عربية واحدة تدافع عن سياسة سوريا حيال لبنان، فيما ترفض هذه السياسة او تنتقدها كل الدول العربية. وهذا اقسى حكم عربي على نظام الاسد".
هذا ما كشفته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس، واوضحت ان هناك مشروعاً عربياً لتسوية الازمة اللبنانية مضاداً للمشروع السوري ويتضمن تفسيراً للمبادرة العربية وآلية لتنفيذها متفقاً عليها بين الدول العربية المؤثرة، وان هذا المشروع العربي يلقى دعماً من الجهات الدولية البارزة وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا. وقالت ان المشروع ينطلق من اقتناع بأن نظام الاسد قادر على تعطيل الحل في لبنان لكنه عاجز عن حل الازمة اللبنانية لمصلحته ولمصلحة حلفائه نظرا الى الرفض العربي والدولي واللبناني الواسع لمشروعه الخطر. ويتضمن مشروع الحل العربي الامور والمسائل الاساسية الآتية:
أولاً - التمسك رسمياً وفعلاً بدعم ترشيح العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية ورفض اي محاولة سورية خفية لابداله بآخر، على اساس ان سليمان هو المرشح التوافقي الوحيد الذي يلقى حالياً دعماً جدياً من الغالبية الواسعة من اللبنانيين المنتمين الى طوائف واتجاهات سياسية مختلفة، وعلى اساس انه مستقل عن دمشق.
ثانياً - حل الازمة اللبنانية يتطلب اعطاء الاولوية لانتخاب ميشال سلميان رئيساً وليس لتحقيق اي مطلب آخر. ومن الضروري في هذا الاطار استخدام مختلف وسائل الاقناع والتأثير على القيادة السورية من اجل ضمان انتخاب سليمان رئيساً في اقرب وقت ممكن ووفقاً للاصول الدستورية ومن دون ربط انتخابه بشروط مسبقة او بمطالب تعجيزية، لان ذلك وحده ينسجم مع نص المبادرة العربية. وينبغي تطبيق المبادرة العربية كسلة متكاملة ولكن ليس دفعة و احدة بل تدريجاً وبما ينسجم مع نص الدستور اللبناني ومع ما يريده اللبنانيون بغالبيتهم العظمى. والرضوخ لمطالب المعارضة المتحالفة مع دمشق والمتناقضة فعلاً مع نص المبادرة العربية، وتجاهل موقف الغالبية الواسعة من اللبنانيين، يعرقلان حل الازمة ويهددان الوحدة الوطنية والسلم الاهلي في هذا البلد.

مهمات الرئيس القوي

ثالثاً - ان الدول العربية المؤثرة متفقة في الرأي مع الجهات الدولية المعنية بمصير لبنان على ضرورة وصول ميشال سليمان الى موقع الرئاسة وهو قوي وليس مكبلاً بقيود عدة تفرضها عليه المعارضة، كي يتمكن هذا الرئيس من القيام بالمهمات الاساسية المطلوبة منه وابرزها ما يأتي: "الاشراف على تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية استناداً الى الدستور، رعاية عقد مؤتمر وطني للحوار والمصالحة بين الافرقاء اللبنانيين لمعالجة مختلف المشاكل العالقة، رعاية اقامة علاقات جديدة صحية وصحيحة بين لبنان وسوريا بالتنسيق مع المجموعة العربية وبالتفاهم مع حكومة الوحدة الوطنية، وبحيث تقام هذه العلاقات على اساس المساواة والندية والاحترام المتبادل لاستقلال كل من البلدين والامتناع عن تدخل احدهما في الشؤون الداخلية للآخر.
رابعاً - تلتزم الدول العربية المؤثرة تأمين دعم عربي ودولي واسع للرئيس سليمان كي يقوم بالمهمات المتوقعة منه ويقود عملية اخراج لبنان من مأزقه الخطر. ويتزامن ذلك مع تقديم مختلف انواع الدعم للبنان لتعزيز جيشه وقواه الامنية ولتحسين اوضاعه الاقتصادية والاجتماعية ولتقوية دور الدولة ومؤسساتها.
خامساً - تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد انتخاب الرئيس وليس قبل انتخابه ضرورة لبنانية حيوية لتخفيف حدة الانقسام السياسي والاحتقان الطائفي. ولكن يجب تشكيل هذه الحكومة على اساس احترام قرار الشعب اللبناني وتالياً احترام نتائج الانتخابات النيابية التي اجريت عام 2005، وهو ما يتطلب ان تحصل الغالبية النيابية على عدد من الحقائب الوزارية اكبر من العدد الذي ستحصل عليه المعارضة. ولكن بما ان المبادرة العربية تستند الى صيغة لا غالب ولا مغلوب، فإن ذلك يقضي بحصول الغالبية النيابية على اقل من نصف الحقائب الوزارية وبعدم حصول المعارضة على الثلث المعطّل في الحكومة الجديدة، وبحيث يرجح الوزراء الذين يختارهم رئيس الجمهورية الكفة لدى اتخاذ القرارات الحكومية. وهذا التفسير العربي يتعارض مع التفسير السوري للمبادرة العربية، ذلك ان دمشق تريد ان تحصل المعارضة والغالبية على عدد متساو من الحقائب الوزارية وهو ما لم تنص عليه المبادرة اطلاقاً. اما رئيس الحكومة الجديد، فيجب ان يتم تعيينه وفقاً للاصول الدستورية اي نتيجة مشاورات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية الذي يختار من ترشحه غالبية النواب. وهذا الموقف العربي ترفضه دمشق ايضاً، اذ ان السوريين يريدون ان يختاروا هم رئيساً للحكومة يطمئنون اليه.
سادساً - يجري اعداد قانون جديد للانتخاب عادل ومتوازن بالتشاور والتفاهم بين الحكومة ورئيس الجمهورية ومجلس النواب وفي اطار حوار يجريه الافرقاء اللبنانيون ويتوصلون بنتيجته الى اوسع توافق ممكن على نص القانون المطلوب. وهذا الموقف العربي يتناقض مع مطلب المعارضة التي تريد ان تفرض على الغالبية قانوناً انتخابياً يلائمها هو قانون 1960 من دون ادخال اي تعديلات او تحسين على نصه.
سابعاً - ليس ممكناً حل ازمة لبنان من دون القيام بعمل عربي جدي لتصحيح العلاقات اللبنانية – السورية. فالمشكلة، في جوهرها، ليست لبنانية – لبنانية كما تقول دمشق بل انها في الدرجة الاولى سورية – لبنانية وفقاً لما تؤكده حقائق الامور. ونظراً الى انعدام الثقة بين لبنان وسوريا، فمن الضروري والحيوي تأمين رعاية عربية لتصحيح العلاقات بين هذين البلدين واعتماد صيغة جديدة تحدد مسار هذه العلاقات على اساس المساواة والندية والاحترام المتبادل لاستقلال البلدين وسيادتهما وهو ما يؤمن المصالح الحيوية للبنانيين والسوريين. وهذا الموقف العربي ليس انحيازاً الى الغالبية وحكومة فؤاد السنيورة بل انه ناتج من الاعتراف بالواقع وبالحاجة الماسة الى مواجهة الاوضاع كما هي "لان الجميع يعرفون ما يجري في لبنان وما تفعله القيادة السورية التي تتحمل المسؤولية الاولى عن تعقيد الاوضاع في هذا البلد عبر حلفائها"، وفقاً لما قال لنا ديبلوماسي عربي مطلع.

من يدفع ثمن التقارب؟

واكدت مصادر ديبلوماسية عربية وثيقة الاطلاع "ان الهوة عميقة والازمة طويلة" بين النظام السوري والدول العربية المؤثرة وعلى رأسها مصر والسعودية، ذلك ان الرئيس الاسد يتعامل مع المجموعة العربية وكانه "في موقع قوي" نتيجة تحالفه مع القيادة الايرانية ومع "حزب الله" و"حماس" والقوى المتشددة الاخرى، ولذلك فهو لا يزال يحاول فرض شروطه على الدول العربية الاخرى لفتح صفحة جديدة في العلاقات معها. وكشفت المصادر ذاتها ان ما يريده الاسد، فعلاً، هو ان ترضخ مصر والسعودية والدول الاخرى المعنية بمصير لبنان له وان تقبل شروطه ومطالبه لتسوية الازمة، وهو ما يعيد الى سوريا دورها المهيمن على هذا البلد وما يجعلها حينذاك تتحرك لتعطيل عمل المحكمة ذات الطابع الدولي او لتأمين الحماية للنظام السوري من نتائجها وتداعياتها. وترى هذه المصادر ان الاسد يتعامل "بكثير من الاستعلاء والمكابرة مع الدول العربية المعنية بمصير لبنان ويحدد مواقفه استناداً الى حسابات خاطئة كلياً". وضمن هذه الاطار رفضت القيادة السورية تقديم اي ضمانات الى الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى او الى اي جهة عربية انها ستقبل فعلاً بالتخلي عن شروطها المسبقة ومطالبها التعجيزية لتأمين انتخاب سليمان رئيساً وذلك في مقابل تحسين العلاقات مع مصر والسعودية ودول عربية اخرى، بل ان القيادة السورية تريد، على العكس من ذلك، ان يدفع المسؤولون المصريون والسعوديون "ثمن" التقارب الجديد مع نظام الاسد وذلك بقبولهم شروط دمشق ومطالبها لمعالجة الازمة اللبنانية.
لكن المصادر الديبلوماسية العربية المطلّعة اكدت لنا ان مصر والسعودية والدول العربية الاخرى المعنية بالامر ترفض رفضاً قاطعاً مطالب الاسد هذه، بل انها مصممة على التعامل مع لبنان وسوريا على اساس التمسك بثلاثة مواقف واضحة هي:
اولاً - رفض التفسير السوري للمبادرة العربية والتمسك بالتفسير العربي لتطبيق هذه المبادرة وهو ما يعطي الاولوية لانتخاب سليمان رئيساً بلا شروط او قيود.
ثانياً - الاصرار على تأمين رعاية عربية مدعومة دولياً للبنان، من اجل مساعدته على حل ازمته، ورفض قبول اي رعاية سورية لشؤون هذا البلد لانها ستكون خطراً عليه نتيجة رفض الغالبية العظمى من اللبنانيين الخضوع لاي هيمنة سورية على بلدهم ومصيرهم.
ثالثاً - الاصرار على انه ليست ثمة اي مصلحة مصرية – سعودية – عربية او اي مصلحة لبنانية في تحقيق تقارب حقيقي مع نظام الاسد وفي عقد قمة ثلاثية مصرية – سعودية – سورية ما لم يقبل النظام السوري الشروط والمطالب العربية لتسوية ازمة لبنان، وهو ما يتطلب منه خصوصاً تخليه عن مساعيه لفرض هيمنته مجدداً على هذا البلد.
وحذر مسؤول سياسي عربي بارز من ان نظام الاسد "المعزول عربياً ودولياً هو نظام فاقد للحماية العربية – الدولية الضرورية له لمواجهة الاخطار والتحديات المختلفة، وهو تالياً نظام ضعيف في تعامله مع الدول الاخرى، كما انه نظام قابل للاختراق من جانب دول معادية له ولسياساته. ونظام الاسد، بوضعه الحالي، ليس قادراً على تحقيق اهدافه او تأمين مصالحه كما يطمح ويخطط، اذ ان التحالفات التي يقيمها مع القيادة الايرانية ومع القوى المتشددة في المنطقة تمنحه القدرة على التعطيل وممارسة سياسة الاذى في هذه الساحة الاقليمية او تلك. لكن هذه التحالفات لن تحقق له اي مكاسب سياسية حقيقية وجدية ولن تعيد اليه الجولان المحتل ولن تؤدي الى تحسين علاقاته العربية والدولية ولن تجعله في وضع مطمئن الى مصيره ولن تؤمن له الحماية التي يريدها من المحكمة ذات الطابع الدولي المكلفة النظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم سياسية اخرى شهدها لبنان".

ليست هناك تعليقات: