السبت، نوفمبر 05، 2011

الثورة السورية في خطر

ثمة معلومات يتداولها حلفاء سوريا في لبنان حول خلفيات موافقة نظام دمشق على الورقة الوزارية العربية لحل الأزمة السورية، وما يرمي إليه النظام من وراء قبوله بالمسعى العربي الذي سبق أن اعتبره قبل نحو شهر بأنه تدخّل في الشأن السوري· ففي المعلومات أن روسيا تمنّت على الرئيس السوري بشار الأسد السير بورقة العمل العربية، الأمر الذي يُريح موسكو من الحَـرَج العربي والدولي في الملف السوري· كذلك تمنّت إيران على القيادة السورية قبول المبادرة العربية بغية التقاط أنفاسها، وتجنييها مزيداً من الضغوط الأوروبية والدولية، والأهم منح الإيرانيين هامشاً من المناورة في مفاوضات سرية يجرونها راهناً مع الولايات المتحدة· ولعل الجديد الذي يكشفه حلفاء سوريا، هو دخول مصر عبر رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي، على خط سوريا، حيث عمل على إقناع الأسد بمبادرة الجامعة العربية، متعهداً له بأن مصر لن تسمح بأن تُدمّر سوريا·

إزاء تلك الرغبات، استجاب النظام السوري لطلب حليفيه الروسي والإيراني، وسمع النصيحة المصرية، لكن تلك الاستجابة تأتي، من وجهة نظر هؤلاء، في إطار خطة رسمتها دمشق من أجل إعادة إمساكها بزمام الأمور في سوريا· تلك الخطة تستند إلى لعبة كسب الوقت على اتجاهين: الاتجاه الأوّل يتمثل في انتظار انتهاء الانسحاب الأميركي الكامل من العراق، المرتقب مع نهاية السنة، ذلك أن هذا الانسحاب يشكّل الحلقة المركزية في المشروع السوري، بحيث تتأمّن الصلة الجغرافية - الحدودية، فضلاً عن السياسية والاستراتيجية لمحور الممانعة من طهران إلى بغداد فدمشق وصولاً إلى بيروت· هذا الخط الذي أطلق عليه العاهل الأردني الملك عبد الله تسمية "الهلال الشيعي" كجزء من المخطط الإيراني لترسيخ نفوذها في المنطقة· ومع الانسحاب الأميركي يبدأ العد التنازلي لعملية "التأديب" السورية الداخلية في ظل فتح قنوات الدعم المتعدد الأوجه، يعززه اقتناع راسخ لدى النظام بأن موسكو لن تسمح بسقوط الأسد، وبأن التهديدات بتوجيه ضربة إلى إيران، ليست إلا من باب التهويل، وهي مسألة مستبعدة·

أما الاتجاه الثاني في لعبة كسب الوقت، فيعمد إلى الإفادة من المظلة العربية للنظام الذي وافق على الحوار مع المعارضة، بحيث يستفيد من الوقت المستقطع في استهداف كوادر المعارضة ونشطائها الذين يحرّكون الشارع من جهة، أو يشكّلون العصب القيادي لها، وذلك من خلال عمليات تصفية واغتيالات خلال فترة الشهرين، ما يُربك ساحة المعارضين في انتظار اللحظة المؤاتية للإجهاز الكلي على الحركة الاحتجاجية· ويمكن للنظام الإفلات من تلك الاغتيالات بذرائع الفلتان الأمني، والاختراقات الأمنية والعمليات الإرهابية.

على أن قبول النظام السوري للمبادرة يرتكز في جانب منه أيضاً على رهان أن الرفض للورقة سيأتي من قبل المعارضة، ولا سيما في الشق المتعلق بالحوار، ذلك أن الورقة العربية لا تُحدّد ماهية الحوار وأهدافه، وما إذا كان سيؤول إلى تأمين انتقال أكيد للسلطة، كما هو مطلب المجلس الوطني السوري، أم هو إصلاح النظام بما يؤمّن استمراره (ولو بقليل من الرتوش)، كما هي مقولة النظام· هذا إضافة إلى تمسك السلطات السورية بانعقاد الحوار في دمشق، إذ أنها طرحت مع اللجنة الوزارية العربية أن يستضيف مكتب الجامعة العربية في سوريا الحوار، بحيث يوفّر الغطاء السياسي والأمني للمعارضين المتحفظين على المجيء لدمشق·

وفيما يبدو الترقب العربي والدولي سيد الموقف للحكم على نوايا النظام السوري بالالتزام بالشق الأول من الورقة المتمثل بالوقف الفوري للقتل، تستفيد الآلة الأمنية للنظام من الوقت الضائع الناجم عن انشغال الدول العربية والإسلامية بعيد الأضحى المبارك لتنفيذ عمليات عسكرية واسعة قبل أن يضطر إلى المهادنة الأسبوع المقبل، مع انطلاق الآلية التنفيذية للورقة العربية التي تنص على توجه فريق مصغّر من الجامعة إلى دمشق للتمهيد لإجراءات ذهاب وفد عربي موسّع ومنظمات حقوقية وإنسانية عربية ووسائل إعلامية عربية ودولية إلى سوريا للاطلاع على حقيقة الواقع على الأرض ومراقبة مدى الالتزام بالقرار العربي·

ذلك السلوك السوري يؤكد المعطيات لدى حلفاء دمشق من أن الموافقة السورية ليست إلا مناورة جديدة من مناورات النظام، وأن الأسد لا يُعير الموقف العربي الكثير من الأهمية، ما يطرح تساؤلات مشروعة لدى المراقبين عن مدى ارتكاب نظام الأسد الأخطاء نفسها التي ارتكبها قبله النظام الليبي، وتضييعه الفرص التي تُقدّم له·

فالورقة العربية لا تتضمن، وفق ما يؤكد مطلعون عليها، أي جدول زمني للتنفيذ، بل إن العد العكسي للتنفيذ قد بدأ منذ لحظة إعلان سوريا موافقتها، وجعلها منذ تلك اللحظة تحت المجهر العربي والدولي في آن، بحيث تُحسب عليها ممارساتها القمعية، وعملياتها العسكرية التي تصاعدت عنفاً، لتترافق مع بروز نموذج القتل الطائفي إلى السطح بشكل صارخ وخطير للمرة الأولى منذ ثمانية أشهر على اندلاع الحركة الاحتجاجية التي تحولت إلى ثورة شعبية بامتياز، بعدما نجحت إلى حد كبير في تأطير حركتها وتنظيم صفوفها· وليست مهلة 15 يوماً سوى مهلة تحضيرية لانطلاق الحوار الذي لا يمكن الوصول إليه من دون المرور بالممر الالتزامي المتمثل بتنفيذ الشق الأول المتضمن وقف القتل وإطلاق المعتقلين والانسحاب العسكري من المدن·

واستحالة التنفيذ دفعت بوفد المجلس الوطني السوري الذي التقى الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي إلى التحذير من مراوغة النظام لكسب الوقت لمزيد من القمع، وهو ما ستعيه الجامعة العربية عاجلاً أم آجلا بعدما تكون أرواح جديدة قد أزهقت·

وإذا كانت "جمعة الله أكبر" الواقعة عشية عيد الأضحى ستكون امتحاناً للنظام تحت الأعين العربية والدولية، فإن المؤشرات التي سبقت يوم الامتحان طغى عليها اللون الأحمر، فاتحاً الباب أمام التكهنات نحو الخطوات المقبلة الآتية على وقع أصداء الفشل السوري التي وصلت باكراً إلى مسامع دوائر القرار العربية والإقليمية والدولية، والتي ستتحرّك، عاجلاً أم آجلاً، هي الأخرى بعدما تكون لائحة الضحايا قد تضاعفت مرات عدة·



--
 مع أطيب تحيات
 
             
 

ليست هناك تعليقات: