الأحد، مارس 30، 2008

إنتقاماً من عزلته العربية وهجوماً على تقدّم التحقيق والمحكمة الدولية "الصيغ" المسرّبة للتفجير السوري

ثمة توقّعات كثيرة تسندها معلومات بأن يلجأ النظام السوري الى التفجير في لبنان بعد القمّة التي تنتهي اليوم. واللافت في هذا المجال أن صحفاً سورية تتولى منذ مدة "الترويج" لما تسمّيه "عودة العنف" الى لبنان في الفترة القريبة المقبلة.


القمّة والعزلة

لم تكُن المعلومات من جهة و"تقديرات" الصحف السورية من جهة ثانية لتفاجئ الوسط السياسي ـ الأكثري ـ لأنها معلومات و"تقديرات" تحمل الكثير من "منطق" النظام في سوريا، خصوصاً أنها تأتي على تقاطع معطيَين مباشرَين كبيرَين.
المعطى الأول هو فشل القمّة العربية في دمشق بسبب انعقادها في العاصمة السورية، وهي القمّة التي أتت سياقاتها تؤكد عزلة نظام الأسد عربياً، أساساً على خلفية دوره في "الأزمة اللبنانية". وبهذا المعنى، ثمة حقدٌ من جانب النظام على لبنان ـ سبب عزلته ـ وعلى العزلة نفسها، ما يسمح بتوقّع سعيه الى "الانتقام".


التحقيق والمحكمة

أما المعطى الثاني، فهو التقدّم الحاصل على صعيد التحقيق الدولي في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر جرائم الاغتيال الأخرى، وقد عكس رئيس لجنة التحقيق دانيال بلمار هذا التقدّم في تقريره أول من أمس، مؤكداً أنه سيضمّن أسماء المرتكبين في قرار الاتهام. وقد واكب بلمار، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال، بتأكيد أن المحكمة "قامت فعلاً" وأن انطلاق عملها لن يتأخر، معلناً أن الانتقال من التحقيق الى الادعاء بات مسألة أسابيع.


خط دفاعي في جريمة الحريري

من هنا، فإن التوقعات بشأن تفجير سوري في لبنان رداً من جانب النظام السوري على عزلته من ناحية ورداً على تقدّم التحقيق والمحكمة الدولية من ناحية أخرى، تبدو توقّعات في محلّها.
وبالفعل، فقد أعطى النظام السوري في الأيام الماضية إشارات لافتة الى نواياه. وفي هذا المجال بدا النظام ذاهباً الى اعتماد خطّين، دفاعي وهجومي.
الخط الدفاعي، في الردّ على المحكمة والعزلة، يتأسس على "مقولة" إن "من اغتال الرئيس الحريري عدوّ لسوريا" وإن "مَن استفاد من الجرائم التي حصلت والتي أساءت الى سوريا هم خصومها".
هذا الخط الدفاعي تولاّه الجنرال ميشال عون. وليس المهم فيه أن الجنرال يبرّئ النظام السوري من اغتيال الرئيس الحريري وسائر الاغتيالات، بل المهم فيه فضلاً عن توقيته، هو الاستعداد لـ"الانقضاض" بعنوان أنه "آن الأوان للتوقف عن اتهام سوريا وتوريطها"(!).


.. وهجومي في جريمة مغنيّة

أما الخط الهجومي، فيتمثّل بما جرى تسريبه من دمشق وبما قاله أتباع للنظام السوري، من أن السلطات السورية أوشكت على إنهاء التحقيق في اغتيال القائد العسكري والأمني لـ"حزب الله" عماد مغنيّة، وأنها في صدد تسطير إستنابات قضائية بحقّ "ضالعين". وذلك وسط التسريبات التي تقول إن "الضالعين" جهات لبنانية وعربية.
دفاعٌ في جريمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهجومٌ في جريمة اغتيال مغنيّة. هجومٌ يجري معه إعلان "التساوي" بين الجريمتَين و"مقايضة" إحداهما بالأخرى... بعد دورة متجدّدة من العنف والإرهاب.
صيغٌ عدة من بينها تصفيات لشهود
في هذا السياق إذاً، يقعُ التفجير السوري المتوقّع، الذي ترجّح له المعلومات صيغاً عدة.
الصيغة الأولى هي التفجيرات الإرهابية في مناطق مختلفة.
الصيغة الثانية هي تصعيد "العنف الشارعي" في غير منطقة لبنانية أي "صدامات" داخلية.
والصيغة الثالثة هي الاغتيالات.
أما الصيغة الرابعة، وهي "جديدة"، فهي تصفية شهود في جرائم الاغتيال منذ تشرين الأول 2004، بمن فيهم شهودٌ قابلون لـ"الاعتراف" عن دور النظام المخابراتي السوري، لاتهام الحكومة والأكثرية والقوى الأمنية بذلك وتحويل من تجري تصفيتهم الى "شهداء".
وإذا كانت هذه "الصيغ" متداولة، فإن سواها ليس مستبعداً. وعلى كل حال، فقد لفت دانيال بلمار في تقريره الى أن "الشبكة" التي اغتالت الرئيس الحريري نفّذت إغتيالات أخرى و"لا تزال ناشطة" في لبنان.


سؤالٌ الى "حزب الله"

طبعاً، قبل الانتقال من هذه المقدّمات الى بعض الاستنتاجات، ثمّة سؤال لا بد من توجيهه الى "حزب الله" بالتحديد.
والسؤال هو: إذا كان ما يُعدّه النظام في سوريا على صعيد خلاصات التحقيق في اغتيال عماد مغنيّة صحيحاً، هل يرضى "حزب الله" بهذا التوظيف السياسي ضدّ الأكثرية السياسية والشعبية اللبنانية وضدّ الدول العربية؟
وهذا السؤال ينطلق من اعتبار منطقيّ هو أن إسرائيل قتلت مغنيّة في دمشق، أي على الأراضي السورية، ما يعني إمّا أن ثمّة خرقاً إسرائيلياً كبيراً للأجهزة السورية أو أن ثمّة تواطؤاً مخابراتياً سورياً مع إسرائيل. وكذلك ينطلق السؤال من الاعتقاد أن لـ"حزب الله" مصلحةً في كشف حقيقة ما حصل، وفي أن يعلَم أين يبدأ الدور السوري في هذه الجريمة وأين ينتهي. وله مصلحة في أن يتجنّب دفعه الى أي تصادم في الداخل. والحال أن الحزب يعرف حقّ المعرفة مَن قَتَل مغنيّة ومَن سهّل قتلَه، والمؤمل منه أن يعلن في حينه موقفاً لم يعلنه حتى الآن. وذلك، في وقتٍ يعزّز هذا التعاطي من جانب النظام في سوريا "ألغازاً" عدة، إذ ليس ما يمنع هذا النظام من أن يكون في صدد الإيحاء بأدوار متعدّدة لمغنيّة أو أن يكون في صدد ابتزاز "حزب الله" نفسه.


المسألة الأمنية

حيال التفجير السوري المتوقّع بعد القمّة، يقتضي الأمر أن تمسك الحكومة بزمام القرار السياسي. القرار السياسي في كل العناوين، لكن في العنوان الأمني بشكل خاص.
ويقتضي من الأجهزة الأمنية يقظة كاملةً.. حول السجون والموقوفين والشهود.
ويقتضي من 14 آذار متابعة "الوتيرة" السياسية التي سارت عليها منذ 14 شباط الماضي. ذلك أن النجاح في وضع النظام السوري في دائرة العزلة والضغط بسبب سياساته في لبنان، سيقابله هذا النظام بـ"هياج معهود".

ليست هناك تعليقات: