الثلاثاء، سبتمبر 20، 2011

عندما سقط القناع عن الرئيس

وصل عدد من أبناء المحافظة إلى مكتب عاطف نجيب رئيس قسم الأمن السياسي في درعا، لم تكن هذه المرة كسابقاتها، فالذين جاءوا كانوا وجهاء درعا وشيوخها الكرام. سبب الزيارة كما يعرفه القاصي والداني هو المطالبة بإطلاق مجموعة من الأطفال الذين كتبوا على جدار مدرستهم: "جاك الدور يا دكتور".
كانت المفاجأة مذهلة، فقد أبلغ عاطف نجيب، ضيوفه أن أطفالهم في أقبية المخابرات الجوية، وأنهم ينالون جزاءهم لتطاولهم على الرئيس الأسد.
أبدى وجهاء المحافظة، ليونة في الحديث مع الضابط الأحمق، وتمنوا عليه أن يعيد أبناءهم إلى مدارسهم وبيوتهم، فرد بخشونة بهيمية: أنْ عليكم أن تنسوا هؤلاء الأولاد، واطلبوا من نسائكم أن يلدن غيرهم، وقال" أما إذا كنتم لا تستطيعون الإنجاب، فأرسلوا نسائكم إلينا، نحن نحبّلهم".
وقف الوجهاء كأنام أفعى لسعتهم، وتحركوا تجاه باب الخروج، وقد قالت ملامحهم أن مسيرة الثورة قد بدأت. الضابط الأرعن، أرسل خلفهم هذه الكلمات" ديروا بالكن ما بدي مشاكل، والله بحرق درعا واللي فيها بالطائرات، قال بدهن ولادهن قال".
النظام السوري الذي لا يعرف شعبه، لم يراعِ التركيبة الاجتماعية لدرعا، ولم يفهم الخطأ الذي ارتكبه عاطف نجيب، عندما مسّ أعراض الناس. وظن أن الحديث عن حرائر سورية كالحديث عن فتيات روسيا التي يجلبهن النظام لتنشيط السياحة الجنسية .
خطب شيخ درعا، وحامل لواء ثورتها أحمد الصياصنة عن الظلم الذي تتعرض له المحافظة وأهلها، وأسهب في الحديث عن الاضطهاد الذي تتعرض له سوريا بطولها وعرضها. فكبر أحد المصلين، ثم كبر ثان، ثم كبر عشرة رجال، ثم كبرت محافظة درعا، وإذ بسوريا كلها تصيح الله أكبر.
تفاجأ عاطف نجيب " بالدجاج إذ يتظاهر" فأطلق كلابه على الناس، وقامت الطائرات السورية بإطلاق رشاشاتها على المتظاهرين.
كانت هذه أول رسالة يرسلها النظام القمعي في سوريا للشعب الثائر، أن كيف لكم أن تتظاهروا ضدنا ونحن نملك السلاح والأمن والشبيحة وأنتم لا تملكون شيئاً، أراد النظام من هذا أن يصدم الناس صدمة تخرسهم، وتثبت الخوف في قلوبهم، على مبدأ غوبلز الشهير" لو أن أفعى ضخمة هاجمت عصفوراً صغيراً، فإن الأخير سيستسلم ويسلم نفسه لمفترسه، وإنه لن يقوى على الطيران".
شتان ذلك العصفور والنسر السوري، الذي قرر أن يأكل هذه الأفعى ويخلص البشرية من شرورها. استمر السوريون في التظاهر، لم يقبل أهل درعا، أن يخطف الأمن أولادهم، ثم يتكلم في أعراضهم، فانطلقت المظاهرات تنادي بداية بالحرية، ولا أخفي أن الناس كان يأملون خيراً في رئيس سوريا الشاب والإصلاحي والطبيب.
كنت أتصل بأصدقائي في مدينة درعا، فيقولون لي أنهم يخجلون من المناداة بإسقاط الرئيس، وأنهم يتوقعون أن يزورهم في أي لحظة ودون حرسه، يجلس إليهم، ويضع دماء الشهداء في عنقه ويعتذر لهم عما حدث، وتنتهي المسألة عند هذا الحد.
حتى هنا في فرنسا، ومن حولي عرب كثير وأستاذة جامعيون وأطباء وعمال وحرفيون، كانوا متأكدين أن الأسد لن يقبل بأن تراق الدماء في سوريا، وكانوا يقولون: غداً أو بعد غد سيعتذر الرئيس لشعبه، ولا بد أنه سوف يعدم عاطف نجيب في وسط درعا. بعض الأصدقاء من السوريين وغيرهم، حلف أن الرئيس لن يصبر أكثر من عشرة أيام حتى يعلن صراحة انحيازه للشعب. لدي صديق تونسي، قال: والله الأسد ما يرضى على نفسه أن يبقى ساعة في السلطة إذا لم يأخذ بثأر الشعب من عاطف نجيب وغيره يا رجل هذا طبيب وفهمان، ويعرف أن الشعب مصدر سلطته.أ تتصور أنه القذافي؟.
إذاً كان معظم الناس على ثقة بأن الأسد، لن يتردد في الوقوف مع الشعب والقصاص من رئيس قسم الأمن السياسي ومن محافظ درعا، الذي لم يكن ليقل سوءاً عن صديقه الضابط. ولهذا لم تتعدّ هتافات جماهير درعا في الأيام الأولى للثورة شعار "حرية حرية".
كان الناس ينتظرون خطاب الأسد بفارغ الصبر، وكان بعضهم، يظن أن الخطاب تأخر عن موعده بقصد إيجاد آليات القصاص من القتلة. وإحقاق الحق، وإعادة الأمور إلى نصابها.
في تلك الفترة، من 15/ آذ1ار/ مارس، إلى 29/ آذار موعد خطاب الرئيس، لم يتوقف الإعلام السوري عن الهجوم على المتظاهرين ووصفهم بأنهم حثالة وعصابات مسلحة وإرهابيون و سلفيون ومندسون وبندريون..، وقد لعب الإعلام كما ذكرت من قبل في مقالي الإعلام السوري أحمق يتمخط بكوعه، إلى زيادة حدة المظاهرات، وكان كمن يسكب البنزين على النار بقصد إطفائها، فمن غير المعقول، أن يستشهد الرجل ثم يسمع ذووه في الإعلام أنه كان إرهابياً، من الطبيعي أن يعودوا إلى التظاهر من جديد. لكن الأسد لم يخطب بعد، وسرّب أن قتلى المظاهرات هم من الشهداء وأن هناك لجنة تحقيق ستتابع أحداث درعا. ولذلك بقي الأمل معقوداً على موقف الرئيس العاقل.
إشارة أرسلها الرئيس قبل خطابه مباشرة أزاحت قليلاً القناع عن وجهه، فقد أجبرت أجهزة الأمن السورية الطلاب وموظفي الدولة على الخروج عنوة إلى مسيرة تأييد في دمشق، حُمّل فيها المتظاهرون صور الرئيس وغنوا له وصفقوا وعيون المخابرات فوق كل متظاهر لا تخطأ أحداً.
أراد الرئيس من هذه السفاهة، أن يبين أن الشعب السوري يصطف خلفه، وأنه لا يزال محبوباً وقوياً، وأن الذين ارتقوا في درعا من الشهداء ما هم إلا مجموعة من الإرهابيين
اكتشف الشعب هذه المسرحية السخيفة وفهموا رسالتها، ولكن لم يكن ليصل بعد إلى علم اليقين بوجه بشار الجديد، إذاً سننتظر يوماً آخر.
جاء اليوم الموعود، وتحلقنا كغيرنا أمام الفضائيات، ووصل الرئيس إلى مجلس الشعب. لا أعتقد أن التاريخ سيشهد كلمة أسوأ من تلك التي ألقاها، اللهم إلا الخطابات التي ألقاها هو فيما بعد والتصريحات الممجوجة التي أدلى بها لبعض وسائل الإعلام.
تحدث بشار الأسد عن المؤامرة الخارجية، والفتنة الطائفية، والإرهابيين والمندسين، ولا أعرف كيف جمع بين أن يكون المرء شهيداً ومندساً في الوقت نفسه. وهدد وتوعد" إذا فرضت المعركة علينا فنحن جاهزون لها". قالها بصراحة، إنه سيقاتل الشعب بكل ضراوة حتى يبقى في الحكم.
فتح الناس أفواههم وكنت ممن فعل، أ لم تحلق الطائرات الصهيونية فوق القصر الجمهوري؟ أولم تقصف عين الصاحب، أو لم تضرب دير الزور، أو لم تقم الطائرات الأمريكية باختراق المجال الجوي السوري من قبل وتقتل جنوداً سوريين. تسائلنا جميعاً لماذا يحتفظ هذا الرجل بحق الرد أمام العدو، ويحمل رشاشه في مواجهة شعبه دون حكمة ودن الاحتفاظ بحق الرد هذا؟.
كنت أرى القناع يسقط عن وجه الرئيس رويداً رويداً بعد كل كلمة يقولها. لقد قال، إن أصحاب الفتنة يتصلون بطائفة معينة فيوغروا صدرهم تجاه الطائفة الأخرى، ثم يتصلون بالطائفة الثانية لتتجهز للرد على الأولى، عجيب هذا، لم أكن لأعرف أن كل طائفة في سورية عندها مفتاح هاتفي خاص بها. لقد أعلنها الرئيس أنه سيجعلها حرباً طائفية. وهو يعلم أنه لم يكن صادقاً في هذا، فلقد أطلق شبيحته على العلويين قبل السنة لترويعهم وإحداث الفتنة الطائفية.
ماذا بقي من القناع، ما إن انتهى الخطاب إلا وكان القناع قد سقط، لم أعد أميز وقتها بين وجه خالد عبود ورئيس البلاد، ولم أعد أفهم الفرق بين شريف شحادة وقائد الدولة، أصبحوا عندي وعند غيري وجه واحد، وصورة طبق الأصل.
بعد ذلك الخطاب الهزأة، لم يعد مهماً ما يقوله الرئيس أو يصرح به، أصبح اسمه عندنا بشار الأسد، وسقطت صفة الرئاسة والحكم عنه.
بعد ذلك استمر بشار يقتل شعبه يمنة ويسرة، وأمر جنده أن يقصفوا المآذن، ويدمروا المساجد ويحرقوا القرآن، وأمرهم أن يجبروا الناس على تأليهه وتأليه والده الميت. وهو يقول للإعلام أنه لا يستخدم السلاح، وأنه أعطى الأوامر بعدم إطلاق النار. ماذا بقي من القناع؟ أخيراً أمر بشار جنده أن يقتلوا الحمير.


--
 مع أطيب تحيات