الجمعة، مايو 09، 2008

لبنان "حزب الله" المتوتّر لا يتأقلم ويحرق البلد

نصرالله يؤكد اليوم سياسة الهروب إلى الأمام

مما لا شك فيه أن القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء فجر أول من أمس الثلاثاء والتي سمّيت "أمنية"، هي في الواقع "سياسية" بامتياز، وتشكّل تحوّلاً إستراتيجياً في التعاطي مع "حزب الله".
الحكومة: معركة سيادة الدولة في وجه "الدويلة"
ففي قرارَيها المتعلّقين بملاحقة التجسّس على المطار وشبكات الاتصال السلكي المتمدّدة في مختلف المناطق، تعلن حكومة لبنان التصدّي لخروق "حزب الله" في الدولة وأجهزتها من ناحية ولـ"دولة حزب الله" القائمة في ذاتها من ناحية ثانية، أي أن الحكومة تعلن معركة سيادة الدولة على الأرض اللبنانية وحصريّة القضايا السيادية بالدولة. فبما أقدم عليه الحزب، يكون قد وضع نفسه خارج القانون الحاكم على جميع مكوّنات الاجتماع السياسي اللبناني.
إذاً، إن التحوّل الإستراتيجي الذي تجسّده القرارات الحكومية، يتمثّل في وجه أول بـ"المواجهة" المعلنة بين الدولة الشرعية و"الدولة الحزبية" غير الشرعية. والحال أنه، من أجل التعرّف إلى الوجوه الأخرى لهذا التحوّل الإستراتيجي، لا بد من التذكير بأن الدولة صبرت ما يقارب العامين منذ نهاية "حرب تموز" في العام 2006، لاتخاذ قرارات من النوع الذي جرى إتخاذه أول من أمس، بل هي صبرت على "حزب الله" كي يكيّف نفسه مع النتائج السياسية التي أفرزتها حرب تموز. والنتيجتان السياسيتان البارزتان لتلك الحرب هما القرار الدولي 1701 الذي عهد بالجنوب حتى الحدود الدولية الى الجيش اللبناني و"اليونيفيل" المعزّزة من جهة وحقيقة أنه لم يعُد في لبنان أي مسوّغ لـ"مشروع مقاوم" قائم بذاته، مستقلّ بذاته، متمدّد داخل مناطق تواجد الجيش و"اليونيفيل" وخارجها ضد القرار 1701 وسيادة الدولة من جهة أخرى. ولذلك، لا مفرّ من القول أن قرارات "المواجهة السياسية" المتّخذة في مجلس الوزراء إنما تعني في العمق أيضاً أن لا مبرّر لـ"مقاومة" مستقلّة بذاتها، بقرارها السياسي، بلوجستيّتها ومخابراتها..
"المشروع المقاوم" فقد مسوّغاته في 2006 بعد 1701
ما تقوله حيثيّات القرارات الحكومية صحيحٌ على نحو إجمالي، بما في ذلك أن التجسّس على المطار وتمديد الشبكات الهاتفية ليسا من لزوميّات "مقاومة" ضد العدوّ الإسرائيلي. بيدَ أن الدخول في النقاش حول اللزوميّات أو عدمها، هو دخول في النقاش على "أرض حزب الله". وهذا ما يتناقض وحقيقة أن لا مبرّر لـ"مقاومة" منذ سنتَين على الأقل.
كان يُفترضُ بـ"حزب الله" أن يُعيدَ النظر خلال العامين الماضيَين بـ"مشروعه". لكنه بدلاً من أن يُعيدَ النظر ـ منطقياً ـ بإتجاه الدخول في الدولة يقوّيها وتحميه، مضى في إنتهاك القرار الدولي 1701، وفي تقويض الدولة. إستيراد السلاح وتعزيزه، نشر السلاح والمسلّحين في مناطق عمل الجيش و"اليونيفيل" بما في ذلك "زرع الصواريخ" بين الأماكن السكنية في غير منطقة جنوباً وبقاعاً وضاحيةً، التوسّع الأمني بحجة "أمن المقاومة" وتوسيع شبكات الاتصال السلكي وأجهزة التنصّت. كل ذلك، في سياق تحدٍّ لم يتوقف للدولة ولالتزامات الدولة.. حتى بات لا يرفّ له جفن في التبنّي العلني لكل هذه الإجراءات وصولاً الى إعتبار الشبكات الهاتفية توأماً للصواريخ.
"الثلث المعطّل".. حتى إنجاز "دولة حزب الله"
وبالتوازي، كان "حزب الله" يخوض حرب إسقاط النظام السياسي في الداخل. حربٌ لم يترك عنواناً إلاّ واستخدمه في إطارها. فبإسم "الشراكة الوطنية" إبتدع مطلب "الثلث المعطّل". واليوم أكثر من أي يوم مضى، يتضح لماذا إبتدع هذا المطلب: فـ"الثلث المعطّل" بمثابة "مسمار جحا" داخل الدولة لتعطيلها، وكان مطروحاً لكسب الوقت حتى يستكمل بناء "دولته".. وعندما لم يتحقّق "الثلث المعطّل" بدأ "حزب الله" محاولة فرض دولته على الدولة وراح يواصل الإنقلاب على النظام.
في ضوء قرارات مجلس الوزراء، لا بد أن يدرك "حزب الله" أنه "معزول". لا أساس لـ"مشروع مقاوم". وهو منذ سنتين لا يقاوم بل يكدّس الأسلحة ويبني "دولة". والشرعية منزوعة ـ بالواقع ـ عن مقاومته منذ عامين بالمواقف اللبنانية والعربية والدولية. والقرارات الأخيرة تكشفه. وفي غضون ذلك كله، تبقى منه صورة "الميليشيا"، صورة الجهة المسلّحة التي تتحرّك في الشوارع والأزقّة لفرض الرعب على اللبنانيين.. صورة الميليشيا المذهبية المندفعة الى الفتنة.
كي لا يخطئ نصرالله
اليوم، يعقد الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مؤتمراً صحافياً وضع تحت عنوان "الردّ" على قرارات الحكومة.
يخطئ قائد الحزب كثيراً إن هو ذهب بإتجاه التصعيد، أي إن هو تمسّك بما ليس له حقّ فيه. ولن يخطئ إن هو تعاطى مع القرارات الحكومية بـ"هدوء" أي بصفتها قرارات يستطيع أن يكون الحزب شريكاً في تنفيذها.. أي إن هو تعاطى مع تلك القرارات بوصفها دافعاً الى العلاقة بالدولة، التي تأخّرت عامين على الأقل، وباتت محتمة اليوم. ولن يخطئ إن هو "لاحظ" أن "حزب الله" و"مقاومته" باتا سبباً لمشكلة كبيرة في لبنان.
.. لكن أصل الخطأ قائم
غير أن نسبة "الخطأ" ترجح على عدمه، بناءً على مقدّمات لا بد من تسليط الضوء عليها.
يتعامل "حزب الله" مع الحكومة والأكثرية بوصفهما "عدوّاً" لا خصماً. وذلك قبل القرارات الأخيرة بكثير. ورفض مراراً التوصّل إلى تسوية. وأصلاً، التسوية تعني له "الإنتهاء". بل هو يعلن أنه "سيقطع اليد" التي تمتدّ إلى الشبكات (!).
وليس في ثقافة الحزب وتراثه أي مفاهيم من نوع "المرونة" و"التكيّف" و"التموضع" و"التكتيك" و"الإنكفاء". وقد يعزو البعض ذلك إلى كونه حزباً عقائدياً "مبدئياً"، أو الى تجربته السياسية المنحصرة بقتال العدوّ. لكن الواضح أنه يتقن سياسة الهروب إلى الأمام.
ويتصرّف على أساس أن كل معركة سياسية هي "الموقعة الأخيرة" ينتصر فيها أو يستشهد.
وبالإضافة إلى كل ما تقدّم، فإن "حزب الله" اليوم يعيش ـ على ما يبدو ـ حالاً من التوتّر الشديد.. والخوف. فمن جهة "يرى" حليفه النظام السوري ينتقل إلى التفاوض العلني الرسمي مع إسرائيل، والتفاوض مشروطٌ إسرائيلياً بأن "يبيعَه" النظام في سوريا. ومن جهة أخرى "يرى" أن "الجناح السوري المباشر" من "المعارضة" يخذله. والمثال الأبرز، ما حصل أمس، حيث "لوحظ" غياب حلفاء النظام السوري وأتباعه عن التحرّك، وأن "حزب الله" كان وحده في الشارع. أما حليفه العوني فلم يكن قادراً على أي حركة في مناطق تواجده "مضرّجاً" بالضربات التي تلقّاها في بيئته جراء سياساته.
الهروب إلى الأمام
في مثل هذه الظروف والمعطيات، الأرجح إذاً أن يمارس "حزب الله" السياسة التي يتقنها أي الهروب الى الأمام دافعاً الى مزيد من التصعيد والتأزيم. والمؤكد في هذا المجال أنه سيرتكب أخطاء "قاتلة"، ويغرق في مأزق سياسيّ بدا منذ اللحظة الأولى أمس انّه حتميّ. ذلك انّ كلّ يوم يمضي سيحملُ المزيد من المأزق لمشروع مستحيل، طالما انه مشروع غلَبة في الداخل وإرتباط بالخارج (الايرانيّ) على حساب لبنان.
أليس إقفال مطار رفيق الحريري الدولي أمس خطأ مميتاً، إذ لم يسبق لأحد غير العدوّ أن فرض إقفال المطار؟ أليس إقفال هذا المرفق بما يضع اللبنانيين والعالم كله "في ظهره" خطأ مميتاً؟ أليست هذه السياسة التي تستدرجُ "الأسوأ" قاتلة؟

ليست هناك تعليقات: