الأحد، مايو 04، 2008

التوطين في لبنان: الخطر من سوريا

"حذّر مسؤول اوروبي بارز من ان لبنان السيد المستقل المدعوم عربياً ودولياً لن يواجه خطر توطين اللاجئين الفلسطينيين في اراضيه، لكن لبنان الضعيف المنهار داخلياً والخاضع مجدداً للهيمنة السورية هو الذي يمكنه ان يواجه خطر التوطين، اذ ان النظام السوري سيكون مستعداً حينذاك لعقد صفقة مع جهات دولية ومع اسرائيل يوافق بموجبها على توطين الفلسطينيين او الغالبية العظمى منهم في الاراضي اللبنانية في مقابل الحصول على مكاسب سياسية تؤمن الدعم والحماية له وتساعده على استعادة الجولان المحتل وتعزز نفوذه في هذا البلد، ثم يقوم بفرض التوطين على اللبنانيين بوسائل مختلفة". واكد هذا المسؤول الاوروبي "ان خضوع لبنان مجداً للهيمنة السورية ليس وارداً، من جهة لان نظام الرئيس بشار الاسد يواجه تحديات وتهديدات عدة سواء نتيجة تدهور علاقاته العربية والدولية وتأزمها، او نتيجة تفاعلات المحكمة الدولية وتداعياتها، ومن جهة ثانية لان الغالبية العظمى من اللبنانيين ترفض الوصاية السورية ولان الدول العربية والاجنبية المؤثرة تعارض بشدة وحزم سقوط لبنان في ايدي السوريين وحلفائهم. لكن ما يلفت الانتباه هو ان حلفاء دمشق هم الذين يحذرون من احتمال توطين الفلسطينيين في لبنان ويتهمون الغالبية وحكومة فؤاد السنيورة بالتورط في مشاريع التوطين، من دون تقديم اي ادلة او معلومات محددة تثبت ادعاءاتهم".
هذا الموقف المهم المستند الى معلومات دقيقة ابلغه المسؤول الاوروبي الى جهات عربية بارزة معنية مباشرة بمصير لبنان. وشدد المسؤول الاوروبي على ان ما يؤمن الحماية الكاملة للبنان من خطر التوطين او من اخطار اخرى "هو ان يتمتع هذا البلد بالاستقلال والسيادة والدعم العربي والدولي الواسع، كما هي الحال الآن، وان تكون فيه دولة قوية ومؤسسات شرعية فاعلة في كل المجالات. لكن كل ما تقوم به المعارضة المتحالفة مع نظام الاسد يهدف الى اضعاف الدولة اللبنانية ومؤسساتها الشرعية والى ضرب مقومات الصمود اللبناني ومحاولة تشويه سمعة القوى الاستقلالية وتهديد الوحدة الوطنية والسلم الاهلي وانتهاك الدستور وتجاوز قرارات مجس الامن، وكأن المعارضة تريد ان تعيد ربط لبنان بسوريا مما يتيح للنظام السوري عقد "صفقة كبرى" مع الجهات الدولية والاقليمية المعنية بالامر لفرض توطين الفلسطينيين على اللبنانيين. من هنا فإن الخطر الحقيقي على لبنان في هذا المجال ليس من القوى الاستقلالية بل من النظام السوري".


حرص دولي على التركيبة السكانية

واكدت لنا مصادر ديبلوماسية اميركية واوروبية وعربية وثيقة الاطلاع على هذه القضية ان التحذيرات التي يطلقها بعض قادة المعارضة، وعلى رأسهم العماد ميشال عون من وجود مشروع جدي لتوطين الفلسطينيين في لبنان، ليس لها اساس من الصحة، وان عون لم يتمكن من كشف اي وثيقة او نشر اي معلومات او ادلة تؤكد صحة اتهاماته هذه. ولكن في المقابل كشفت لنا هذه المصادر ان ثمة خمس حقائق اساسية وصلبة تثبت ان احتمال توطين الفلسطينيين في لبنان مستبعد كلياً بل ليس وارداً في اطار لبنان المستقل، وخلافاً لما يدعيه حلفاء دمشق. وهذه الحقائق هي الآتية:
الحقيقة الاولى: ليست ثمة خطة او وثيقة رسمية اميركية او اوروبية او دولية تقترح توطين الفلسطينيين في لبنان، وليس ثمة قرار رسمي اميركي او اوروبي او دولي صادر عن الامم المتحدة يدعو الى التوطين. بل على نقيض ذلك ثمة قرار اميركي – اوروبي – دولي يعرف مضمونه مسؤولون لبنانيون وعرب يرفض بوضوح حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على حساب لبنان ويرفض تحديداً توطينهم في هذا البلد لمنع تغيير تركيبته السكانية جذرياً بما يهدد الوحدة الوطنية والسلم الاهلي بين اللبنانيين. وكل ما يقوم به المجتمع الدولي وبدعم عربي واسع هو تأمين الحماية للبنان المستقل الموحد والحرص على امنه واستقراره في مواجهة الخطط السورية – الايرانية الهادفة الى اضعافه وتحويله ساحة مواجهة مفتوحة امام كل الاحتمالات والخيارات بما فيها التوطين.
الحقيقة الثانية: ان ثمة تجربة سابقة تعزز هذا التوجه الاميركي – الدولي وتدعمه وتتمثل في ان الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون قدم الى المسؤولين الفلسطينيين والاسرائيليين في نهاية 2000 خطة رسمية، نشرت في حينها، لتسوية النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي نهائياً تقترح خمسة خيارات لتسوية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين هي الآتية:
الخيار الاول، يقضي باقامة اللاجئين الفلسطينيين في الدولة الفلسطينية الجديدة لدى انشائها.
الخيار الثاني، يقترح اقامتهم في مناطق تتخلى عنها اسرائيل للفلسطينيين في اطار تبادل الاراضي.
الخيار الثالث، يقترح اقامتهم في دول اخرى غير فلسطين واسرائيل والدول التي يعيشون فيها منذ 1948.
الخيار الرابع، يقترح اقامة عدد محدود منهم في اسرائيل.
الخيار الخامس، يقترح بقاء عدد محدود من اللاجئين في الدول التي يقيمون فيها حالياً شرط موافقة السلطات الرسمية والشرعية في هذه الدول على بقائهم فيها. واوضح ديبلوماسي اوروبي في هذا الشأن ان "رفض اي دولة، كلبنان مثلاً، توطين الفلسطينيين في اراضيها هو بمثابة قرار رسمي ملزم لكل الاطراف، اذ ان فرض توطين اللاجئين في اي دولة يتعارض مع القانون الدولي، ومع سيادة الدول، ومع قرار مجلس الامن".
الحقيقة الثالثة: لن يتم بحث مصير اللاجئين الفلسطينيين. بشكل عام قبل التوصل الى اتفاق سلام نهائي بين القيادتين الفلسطينية والاسرائيلية تتم في اطاره تسوية مختلف قضايا الحل النهائي الكبرى وهي: مصير اللاجئين والقدس والمستوطنات، وحجم الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية المحتلة، ومسألة حدود الدولة الفلسطينية وطبيعتها، والترتيبات الامنية، ومشكلة المياه. ووفقاً للمصادر الديبلوماسية الاميركية والاوروبية المطلعة فإن "من المستحيل" التوصل الى اتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين قبل نهاية ولاية الرئيس جورج بوش، بل ان كل ما يمكن التوصل اليه، في افضل الاحوال، هو اعلان مبادئ عامة قبل نهاية 2008 لن يتطرق باي شكل الى مصير اللاجئين وطريقة معالجة قضيتهم. اما توقيع اتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين فيتطلب سنوات عدة وفقاً للمصادر ذاتها. وهذا يعني انه لن يتم البحث في مصير اللاجئين قبل سنوات عدة في افضل الاحوال.


الطائف والدستور ضد التوطين

الحقيقة الرابعة: ان رفض توطين الفلسطينيين في لبنان هو قرار عربي تم تأكيده صراحة وبوضوح، رسمياً وخطياً، في اتفاق الطائف الموقع في السعودية عام 1989 والذي وضع حداً للحرب اللبنانية، وذلك "حرصاً من المجموعة العربية، مدعومة من المجتمع الدولي، على لبنان وتركيبته السكانية ووحدته الوطنية "وفقاً لما أكده لنا مسؤول عربي شارك في اعداد اتفاق الطائف الذي لقي ويلقى دعماً عربياً ودولياً واسعاً ورسمياً وقد تم تبنيه والتشديد عليه في قرارات عدة صادرة عن مجلس الامن. ورفض التوطين ورد ايضاً في قرارات رسمية عدة صادرة عن القمم العربية لأن التوطين يتعارض فعلياً مع حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، ووفقاً لما قاله لنا هذا المسؤول العربي: "من المتفق عليه، عربياً ودولياً وعلى الصعيد القانوني، ان من حق الفلسطينيين ان يقرروا مصيرهم بانفسهم وفي دولتهم وليس في دول اخرى عربية كانت ام اجنبية وإن كانوا يقيمون فيها منذ سنوات طويلة".
الحقيقة الخامسة: يستحيل توطين الفلسطينيين في لبنان بقرار سري تتخذه الحكومة أو أي جهة رسمية أخرى كما يوحي بعض قادة المعارضة. ذلك ان الدستور اللبناني ينص صراحة على رفض التوطين مما يعني ان رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة او اي مسؤول كبير آخر لن يجرؤ على قبول التوطين لأنه بذلك ينتهك الدستور صراحة ويتعرض بالتالي للملاحقة والمحاسبة. كما ان توطين الفلسطينيين في لبنان يتطلب ليس موافقة رئيس الجمهورية والحكومة عليه فحسب، بل ايضاً صدور قرار في هذا الشأن عن مجلس النواب. والنواب سيرفضون اي مشروع لتوطين الفلسطينيين بالاجماع او بالغالبية العظمى، اذا كان لبنان دولة مستقلة ذات سيادة، وقد اكدت لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية واميركية دقيقة الاطلاع ان الادارة الاميركية، وكذلك حكومات اوروبية عدة، تملك محاضر رسمية تثبت بوضوح وبشكل رسمي اصرار حكومة فؤاد السنيورة وقيادات الغالبية على رفض توطين الفلسطينيين في لبنان وتحذيرها من ان اللبنانيين، وبغالبيتهم الساحقة ومن مختلف الطوائف، يرفضون التوطين كلياً.
الى ذلك كله، اكدت لنا مصادر ديبلوماسية عربية مطلعة ان مركزاً فلسطينياً للابحاث والدراسات اجرى اخيراً، بالتعاون مع مركزي ابحاث دوليين، دراسة ميدانية في صفوف اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، شملت استطلاعاً واسعاً ودقيقاً لآرائهم بغية الاطلاع على مواقف هؤلاء من احتمالات التوصل الى حل للمشكلة الفلسطينية. وقد اظهرت هذه الدراسة ان اكثر من 90 في المئة من المقيمين في لبنان يرفضون التوطين والبقاء في هذا البلد بعد قيام الدولة الفلسطينية، وان 40 في المئة منهم يريدون الاقامة في الدولة الفلسطينية و20 في المئة مستعدون للاقامة في اسرائيل في اطار ممارستهم حق العودة، وان الباقين يريدون الاقامة في دول اجنبية. كما اظهرت هذه الدراسة ان اكثر من 60 في المئة من الفلسطينيين المقيمين في لبنان لديهم اقارب هاجروا نهائياً الى دول اخرى ومعظم هؤلاء يقيميون في اوروبا.
واكد لنا مسؤول فلسطيني بارز معني بمفاوضات السلام ان الرئيس الراحل ياسر عرفات اكد مراراً في محادثاته مع المسؤولين الاميركيين والاسرائيليين والارووبيين انه يريد اعطاء الاولوية لتأمين انتقال فلسطينيي لبنان الى الدولة الفلسطينية او الى دول اخرى في اطار اي اتفاق سلام يوقعه مع الدولة العبرية، وذلك ادراكاً منه ان التوطين سيلحق اضراراً بالفلسطينيين انفسهم وليس فقط بالتركيبة السكانية للبنان. ووفقاً لهذا المسؤول فان الرئيس محمود عباس يتمسك بموقف عرفات هذا ويؤكد في اتصالاته الرسمية مع الحكومة اللبنانية، وكذلك مع الاميركيين والاسرائيليين، انه لن يبقى لاجئ فلسطيني واحد في لبنان ضد ارادة ابنائه وسلطته الشرعية في حال تم التوصل الى اتفاق سلام مع الدولة العبرية.
هذه المعطيات كلها تشكل "ضمانات" حقيقية وجدية عربية ودولية ولبنانية وفلسطينية للبنان تؤمن له الحماية من خطر التوطين، وتظهر، في الوقت نفسه، ان المشكلة المفتعلة التي يحاول حلفاء دمشق اثارتها حين يتحدثون عن وجود مشروع لتوطين الفلسطينيين في لبنان وعن تورط الغالبية في هذا المشروع – هذه المشكلة المفتعلة تزول وتتبدد كوهم كبير وكاسطورة واهية امام الحقائق والوقائع والمواقف الصلبة والواضحة.
بقلم

ليست هناك تعليقات: