الجمعة، مايو 02، 2008

الأسد يعمل لإعادة الاعتبار الى شعار الانقسام اللبناني

"حزب الله" لن يتخلّى عن مواصلة مسيرة إقامة دولته على ركام الدولة

لا أحد يملك جواباً حاسماً عما سيحصل في مجلس النواب في الثالث عشر من أيار المقبل، ولكن كل مقاربة واقعية للمعطيات يمكنها أن تسمح بالاقتراب من الصورة الأدق، فماذا في المعطيات؟
من الثابت أن قوى الأكثرية واضحة في خياراتها، فهي مع انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، بكامل الصلاحيات الدستورية، وهي تسلّم بالقضاء المتحرّر من أثقال تقسيمات "المكتب الثاني" في العام 1960 دائرة انتخابية، وهي مع حكومة وحدة وطنية غير مرهونة لإرادات التعطيل المرتبطة بالمحور السوري ـ الإيراني، وهي مع وضع استراتيجية دفاعية متكاملة تخلق توازناً بين العداء لإسرائيل من جهة أولى وبين الصلاحية الحصرية للدولة اللبنانية بحمل السلاح، من جهة ثانية.
في المقابل، فإن قوى الأقلية المرتبطة كلياً بالمحور السوري ـ الإيراني، منقسمة في ما بينها على كل هذه العناوين، فالعماد ميشال عون لا يريد رئاسة الجمهورية لغيره، فالتطورات بمجملها أثبتت ذلك، فيما "حزب الله" يرفض رفضاً قاطعاً التنازل عن دويلته التي لا يزال يطورها الى الدولة، فيما الرئيس نبيه بري الذي يريد التحرر من عبء عون وسطوة "حزب الله" لا يستطيع الخروج من ارتباطه بالنظام السوري ومن خلاله بالنظام الإيراني.
وهذا يفيد بأن كل طرف في قوى الأقلية هو أمام امتحان وطني كبير في حال قرّر الذهاب في الثالث عشر من أيار المقبل الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، كيف ذلك؟
من الواضح جداً أن العماد ميشال عون يقف بالمرصاد للحيلولة دون وصول العماد ميشال سليمان الى القصر الجمهوري، وهو على استعداد ـ لا بل سبق أن أبلغ ذلك الى من يعنيهم الأمر ـ لتهديم كل ما بناه مع "حزب الله" والنظام السوري، في حال تقرر السير بجلسة انتخاب تأتي برئيس غيره للجمهورية بولاية كاملة وبصلاحيات غير متنازع عليها.
وهذا يعني أن "حزب الله" في حال قرّر الذهاب الى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية في الجلسة النيابية المقبلة، سيضع في حسابه انتهاء صفقته السياسية ـ الأمنية مع العماد عون، بحيث يجد نفسه بلا "ورقة التوت" التي تستّر عورات إقامة دويلته الناجزة.
وهذا يعني أيضاً أن النظام السوري سيواجه إمكان خسارة عون في حال سمح لمجموعاته في لبنان بانتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية، الأمر الذي يجعله من دون ركيزة مسيحية يتكئ عليها في حال قرر الاستمرار في استراتيجية التخريب التي يعتمدها في لبنان.
أمام هذه المعطيات، ما هي استعدادات "حزب الله" والنظام السوري؟
قراءة الواقع الميداني ثُثبت أن الحزب غير مستعد إطلاقاً للتخلي عن مواصلة بناء دويلته، فعمليات إيواء المجرمين من قتلة الزيادين الى قتلة الكتائبيين في زحلة مروراً بعمليات الخطف "الموقت" وصولاً الى التمدد المسلح والهاتفي على كل الخارطة اللبنانية، تُظهر ذلك، وتالياً هو لن يسير بانتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية لأن ذلك سيحرمه من "نعمة" عون من جهة وسيُعطي الدولة أسناناً مؤسساتية تجعلها تبني ذاتها على حساب دويلته الفئوية، من جهة ثانية.
أما بالنسبة الى النظام السوري، فمن الواضح أن رئيسه بشار الأسد يسعى الى إيجاد توازن بين مسألتين، فمن جهة هو يريد تخفيف الضغط العربي والدولي عليه من البوابة اللبنانية ولكنه، من جهة أخرى، لا يريد التنازل عن هدف استراتيجي لديه وهو الإمساك بالورقة اللبنانية.
وفي هذا السياق، فإن تخفيف الضغوط عليه يقتضي نقل المشكلة اللبنانية من مشكلة لبنانية ـ سورية الى مشكلة لبنانية ـ لبنانية، وهذا ما يفسر الإلحاح على تجميع القيادات اللبنانية الى طاولة حوار من السهل تفجيرها بموقف تصعيدي واحد، بدليل ما سبق وحصل لطاولة الحوار الوطني التي أنهتها عملية "الوعد الصادق" الجاذبة للقتل والتدمير والفقر، ومن ثم لطاولة التشاور الوطني الجاذبة لمحاولة فرط الحكومة ومن خلالها لمحاولة فرط البلد.
في المقابل، فإن نقل المشكلة من مكان الى آخر، يجب، في الذهن الدمشقي، ألا يُنتج انتخاباً لرئيس الجمهورية على اعتبار أن ذلك سيُنهي العماد عون ـ الركيزة التخريبية.
وفي الذهن السوري، إن إمكان التوصل الى تخفيف الضغط الدولي والعربي من خلال إعادة الاعتبار لشعار الانقسام اللبناني على حساب شعار التأزم اللبناني ـ السوري تُتيح لبشار الأسد كسب الوقت تمهيداً لكسب لبنان مجدداً من خلال "العروض القذرة" التي يمكن أن تحفل بها المفاوضات المفتوحة مع إسرائيل، منذ انطلاقة حرب تموز 2006.
ولكن، ألا يمكن للعماد عون أن يُغيّر استراتيجيته فيسير بانتخاب العماد ميشال سليمان؟
ثمة من يجزم: لا، مطلقاً.
ويشرح هؤلاء جوابهم الحاسم: إن العماد ميشال عون يعيش أزمة "استراتيجية العمر"، بمعنى أنه في حال لم يصل الى رئاسة الجمهورية في هذه المرحلة، فهو مقتنع بأنه لن يصل إليها أبداً، فسنوات عمره تضغط ومشاغله الصحية تزداد حدّة، ولذلك تجده غير متوجّس من تحالفاته وغير عابئ بتدهور شعبيته. وبهذا المعنى، فهو لا يريد أن يُصحّح مساره، لأنه لا ينظر الى المسيحيين من منطلق الزعامة بل من منطلق المعبر الى الطموح الشخصي الحاد.
وعلى هذا الأساس، ماذا يمكن أن يُنتج الثالث عشر من أيار المقبل؟
تحليل الوقائع الظاهرة لا يُبشر بالكثير، ولكن حذار الرقص داخل حلبة الأهداف السورية.

ليست هناك تعليقات: