الجمعة، مايو 02، 2008

الأسد "يبرّئ" الدول العربية من قتل مغنيّة ولا يتـّهم إسرائيل..

 بشار أسد في مقابلة صحفية مع صحيفة "الوطن" القطرية

وتتناوب عليه "الجزرة الإسرائيلية" و"العصا الأميركية".. والوقت يدهمه

في حديثه الأخير الى صحيفة "الوطن" القطرية، أعلن رئيس النظام السوري بشار الأسد أن ليس لأي دولة عربية علاقة بجريمة اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنيّة في دمشق في شباط الماضي. لكنه في الوقت نفسه لم يتّهم إسرائيل بالاغتيال.
من قتل مغنيّة إذاً؟
يكادُ هذا التصريح يقول إن مغنيّة قُتِلَ على أيدي مخابرات النظام السوري. غير أن صياغَته على هذا النحو لا تُخفي أمرَين جوهريَين: الأول هو أن تبرئة الأسد دولاً عربية كانت المخابرات السورية سرّبت شائعات عن دورها في الاغتيال، إنما هي ـ أي التبرئة ـ نفيٌ للشائعات ـ المختلقة بطبيعة الحال ـ ومحاولةٌ للتقرّب من هذه الدول العربية، والثاني هو أن عدم اتّهام إسرائيل إنما يؤكد أن مقتل مغنيّة كان على تقاطع إتصالات سورية ـ إسرائيلية متواصلة منذ نحو عامَين.
واللافت الآخر في حديث الأسد أنه "مانَ" على المملكة العربية السعودية فأعلن أنه يستعدّ لزيارة إليها قريباً.. فجاء "نفي العلم" بهذه الزيارة أي نفيُ وجود موافقة سعودية عليها أصلاً من جانب وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل.
ما يبقى من الحديث الصحافي إذاً أن الأسد لم يتّهم إسرائيل. وإذ يتزامن ذلك مع الإعلان عن "ترسيم" الحوار السوري ـ الإسرائيلي، أي نقله الى الصعيد الرسمي المباشر برعاية تركيا وعدم الاكتفاء بالدور التركي الوسيط، فالواضح هو أن مقتل مغنيّة في العاصمة السورية شكّل الجسر الى الحوار الرسمي المباشر.
"الجزرة الإسرائيلية" مشروطة بالفكّ عن إيران
وهنا، تتكشّف وظيفة الحوار السوري ـ الإسرائيلي المباشر المسبوق باغتيال عماد مغنيّة، رجل المهمات المتقاطعة بين إيران و"حزب الله". ذلك أن "الحوار" مطروحٌ إسرائيلياً بمثابة "جزرة" للنظام السوري. وهي "جزرةٌ" من الواضح أنها مشروطة إسرائيلياً بالفكّ بين نظام الأسد من ناحية وإيران و"حزب الله" من ناحية ثانية، وما إغتيال مغنيّة إلاّ "المُقدّم" من "مهر" العلاقة الحواريّة (والتواطؤية).
في هذه الأثناء، أي فيما تمدّ إسرائيل "الجزرة" التي هي الدعم الإسرائيلي لبقاء النظام السوري وإعادة الجولان بشرط الفكّ عن إيران، ترفع الولايات المتحدة الأميركية "العصا" الغليظة.
كان لدى العديدين تقديرٌ بأن ثمة خلافاً أميركياً ـ إسرائيلياً حول التعاطي مع النظام في سوريا، بين واشنطن التي لا تريد مفاوضات إسرائيلية ـ سورية تتوصّل الى اتفاق وتل أبيب التي تريد التوصّل الى اتفاق سلام مع سوريا. بيدَ أنه يتّضح يوماً بعد يوم أن ثمة تنسيقاً بين "الجزرة" و"العصا".
"العصا الأميركية" و"الدفع" في لبنان أولاً
لقد بلغت "العصا" الأميركية في وجه نظام دمشق مستوى عالياً غير مسبوق في الآونة الأخيرة. ذلك أن مبادرة واشنطن الى فتح ملفّ التسلّح النووي السوري بعد ثمانية أشهر من الغارة الإسرائيلية التي دمّرت الموقع السوري المشتبه بأنه نووي في أيلول من العام الماضي، لا يفيدُ فقط أن ثمة تنسيقاً أميركياً ـ إسرائيلياً بل إن "العصا الأميركية" تصبّ في أهداف "الجزرة الإسرائيلية" نفسها.. أي بدلاً من أن يقوم طرف واحد بتقديم "الجزرة" و"العصا" معاً، يتوزّع الجانبان الأميركي مهمتين لا مهمة واحدة.
وإذا كانت "الجزرة الإسرائيلية" مشروطةً بالفكّ السوري عن إيران ـ و"حزب الله" ـ فإن "العصا الأميركية" تهدفُ الى هذا الفكّ أيضاً.
غير أن النظام السوري إفترض خلال فترة أنه يستطيع أن يكتفي بـ"الجزرة" ولو مشروطة. بمعنى افترض نظام الأسد أن إسرائيل تستطيع أن تأخذه الى أميركا، وفي انتظار ذلك أنه يستطيع ممارسة نوع من "التباطؤ". غير أن "العصا" تضغط عليه بقوة وتستعجله "الدفع".. وفي لبنان ابتداءً.
إرتباك النظام السوري وتراجع اللعب على الوقت
بين "الجزرة" من جهة و"العصا" من جهة أخرى، يبدو نظام الأسد مرتبكاً الآن. فهوَ إن "دفعَ" لقاء "الجزرة" أو بضغط من "العصا" واجه وضعاً صعباً مع إيران وعلى مستوى سائر تحالفاته، وإن لم "يدفع" أعطى المبرّر الكافي لـ"قتلَة" إسرائيلية أو أميركية توجّه إليه.
ولذلك، يمكن القول أن النظام السوري يمرّ هذه الأيام في "لحظة" حرجة، إذ تتراجع قدرته على الاعتماد على الوقت. كما يمكن القول إنه في صدد تريّث في حسم الاختيار لبعض الوقت. وعلى ما يبدو، فإن النظام في دمشق ينتظر ما ستسفرُ عنه زيارةُ الرئيس الأميركي جورج بوش بين 13 أيار الجاري و18 منه، لمعرفة الى أين ستذهب المنطقة، أي الى أين سوف تتّجه الأمور.
برّي وتغيّر ظروف الدعوة
لا يمكنُ قراءة التطوّرات الأخيرة في لبنان بمعزلٍ عن المعطيات الإقليمية الآنفة.
"بدأ" الرئيس نبيه برّي الدعوة إلى "الحوار" قبل قمّة دمشق آخر آذار الماضي، وكان يعرف سلفاً أنّ هذه القمّة ستؤكد الخلاف العربي ـ السوري حول لبنان بالدرجة الأولى. وبعد القمّة سعى برّي إلى "تسنيد" دعوته إلى الحوار بجولة عربية، غير انّه لم يوفّق في ترتيب زيارة إلى المملكة للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز. وهنا أعاد برّي اكتشاف انّ الخلاف العربي ـ السوري لا سيما "خلاف س.س" إلى احتدام، وانّه هو نفسه مطالبٌ عربياً بفتح المجلس النيابي أمام إنتخاب الرئيس التوافقي للجمهورية. وعندئذٍ غيّر عادته القاضية بالتأجيل المسبق لجلسة الإنتخاب بحجّة عدم التوافق فاستبقاها في موعدها ليؤجّلها من مكتبه في مجلس النواب، ويربط الموعد الجديد بالحوار، ثم يعيّن 13 أيار الجاري موعداً جديداً مع "حرص" على الحوار قبل هذا التاريخ.
وعندما إتخذت 14 آذار موقفاً يشدّد على ضمانة حصول الإنتخاب الرئاسي في 13 أيار مع الإستعداد لإعلان نوايا، وكلّفت رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري نقل موقفها إليه، تعاطى برّي سلباً مع الموقف وتريّث في تحديد موعد للقاء مع الحريري. والذريعة كانت انّ "الحوار الثنائي" من اختصاص الجنرال من جانب "المعارضة"، في حين انّه لا يمكن لبرّي ـ ولا يحقّ له ـ كرئيس لمجلس النواب أن لا يستجيب للقاء مع رئيس أكبر تكتل نيابي وممثل للغالبية النيابية.
الموقف الضاغط والكاشف لـ14 آذار
تلك كانت الذريعة العلنية. بيد انّ ثمّة إعتبارات أخرى وراء إرتباك برّي. فقد حصلت في الأيام القليلة الماضية تطوّرات خارجية أبرزها الإعلان السعودي شبه المباشر عن عدم إستقبال الأسد من جهة ومزيد من إرتفاع "العصا الأميركية" في وجه النظام السوري بفتح الملف النووي والتركيز عليه من جهة ثانية. ولا شكّ هنا انّ النظام في سوريا الذي تقوم خطّته على كسب الوقت لم يقرّر الإفراج عن لبنان، وهو في ظلّ التطوّرات بين "العصا الأميركية" و"الجزرة الإسرائيلية" المتناغمتين، في صدد تريّث، وهو لن يسارع إلى "الدفع" في لبنان قبل 13 أيار على الأقل.. هذا إن كان قرّر "الدفع" في الأساس.
من هنا فإنّ لـ"سلبية" برّي أو تردّده أو إرتباكه علاقةً بتلك المعطيات. وبكلام آخر، وضعت 14 آذار برّي أمام واقع أن لا حوار لتضييع الوقت، فصار مفروضاً عليه إعادة درس "مبادرته" بعد أن بات واضحاً انّ الأكثرية لن تقع في فخّ تقديم الأزمة في لبنان على أنها لبنانية ـ لبنانية. ولذلك فانّ الإستحقاق الرئاسي اللبناني لا يزال قيد "الإعتقال" السوري.

ليست هناك تعليقات: