الجمعة، مايو 09، 2008

نصرالله أبقى الأزمة عند نقطتها الجوهرية: سلّمونا الدولة تسلَموا!

لماذا غاب رغيف الخبز عن كلام "رئيس الجمهورية الإسلامية في لبنان" وحضرت طاولة الرئيس بري؟

حتى يسهل فهم ما قام به "حزب الله" في الشارع ومن ثم ما قاله الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في مؤتمره الصحافي، لا بد من الإستعانة بالمعادلة التي برّر بها "التيار الوطني الحر" لكوادره إقدام العماد ميشال عون على توقيع "ورقة التفاهم". كان العونيون يقولون لبعضهم البعض الآتي: "حزب الله يملك سلاحاً ومقاتلين محترفين، ونحن لسنا شيئاً في ميزان القوى أمامه، لذلك فإن لا سبيل الى التخلص من شرّه سوى التحالف معه".
هذه المعادلة العونية التي تعني الإستسلام أمام قوة الأمر الواقع، هي التي كسرها مجلس الوزراء حين أقدم على الدفاع عن حقوق الدولة، في وجه تمدد الدويلة، فكانت المواجهة.


هل أخطأ مجلس الوزراء؟

بالمعنى الإنهزامي ـ العوني، نعم كانت قرارات مجلس الوزراء خاطئة، فهو "غامر" بإسقاط البلاد في حفرة المواجهة العسكرية مع "حزب الله".
أما بالمعنى السيادي، فإن مجلس الوزراء قام ـ بالشق المتعلق بشبكة الإتصالات الهاتفية المتصلة بالشبكة الهاتفية للجيش السوري ـ بما يُفترض به أن يقوم به، لأنه لو تلكأ عن ذلك، لخان الأمانة الدستورية ولسمح لـ"حزب الله" بأن يتمادى أكثر فأكثر في استكمال جهوزية دولته على أنقاض الدولة التي يُجهز عليها.
ولكن، وبالمعنى التكتكي للكلمة، هل سرّع مجلس الوزراء توقيت المواجهة مع "حزب الله"؟

لنترك الوقائع تتحدّث:
في 12 تموز 2006، خرج "حزب الله"، على الرغم من كل النصائح الداخلية التي تمّ توجيهها اليه، من طاولة الحوار الوطني، الى عملية "الوعد الصادق" جارّاً البلاد الى حرب تدميرية غير مسبوقة، مما أوقع لبنان في ورطة إقتصادية ـ معيشية غير مسبوقة وحرمه من جاذبية كبيرة ليس للسياح فحسب بل للأموال الإستثمارية أيضا.
وفي ضوء نتائج هذه الحرب وكوارثها، ومع اتخاذ الثنائي السوري ـ الإيراني بإخراج مجموعتهما الوزارية من الحكومة بدأت مرحلة تهديم الدولة، فشُلّ وسط العاصمة بمخيّم الإعتصام واندلعت مواجهات مسلحة في الشارع، وتمّ قطع طريق مطار بيروت، مرات ومرات.
وقبيل انتهاء ولاية الرئيس السابق أميل لحود، قررت فصائل المحور السوري ـ الإيراني في لبنان إيصال الفراغ الى القصر الجمهوري في بعبدا.
ومع انتقال السلطة كاملة الى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي لا يستقر السيد نصرالله على توصيف لها، بحيث ينقل رئاستها من ايهود أولمرت الى وليد جنبلاط، كان القرار بشل السلطة في لبنان، من خلال منعها من اتخاذ إجراءات تُعين المؤسسات على البقاء في واحدة من أخطر المراحل الإنتقالية، الأمر الذي جرت ترجمته ليس بمواجهات في الشارع مع الأهلين ومع الجيش اللبناني فحسب، بل بإعادة الوزراء المستقيلين الى مكاتبهم ليقوموا بعمل واحد لا غير: شل قدرات السلطة التنفيذية.
وعشية اتخاذ الحكومة لقراراتها الأخيرة التي هي قرارات سيادية غير مسبوقة منذ جلاء الجيش السوري من لبنان، كان "حزب الله" يتدثر بالشعار المطلبي محرّكا أداة الوصاية الصفراء الممثلة بغسان غصن وربعه، من أجل زرع الفوضى في البلاد، الأمر الذي يمكن الإطلاع على تفاصيله من محافظ بيروت بالوكالة ناصيف قالوش بما يختص بمحاولة تطبيق القانون على التظاهرة التي كان يفترض أن يسير على رأسها المُسيّر سياسيا وأمنيا، غسان غصن.
كل هذا يُفيد، بأن "حزب الله" كان يستعد لتوسيع رقعة الفوضى، سواء اتخذت الحكومة قراراتها السيادية أم لا، ومن يُدقق بكلمات العماد ميشال عون التحشيدية (كان في وضعية من يُحمّس ذاته بعدما فقد تأثيره حتى على الجمهور الملتزم بشخصه) ومن يراجع المهل التي وضعها وئام وهاب (يتقلده السيد حسن نصرالله) لإدخال شخصيات سياسية وصحافية (عاشت نقابتا الصحافة) الى السجن، ومن يفنّد محتويات الحملة الهادفة الى إخراج الجنرالات المشتبه بهم باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من السجن، بعد الإكثار من عمليات التضليل للتقليل من أهمية الإغتيالات التي اجتاحت الساحة اللبنانية، لأدرك عن كثب أن قرارات الحكومة الأخيرة ليست السبب المباشر للتوتر الكبير الذي يشهده الشارع اللبناني، بل هي مجرد تبرير إضافي لـ"حزب الله" حتى ينقل المواجهة من سياقها السياسي الى سياق أمني مخطط له، وقد سبق لوسائل الإعلام المرتبطة بالمخابرات السورية أن كشفت عنه مرارا وتكرارا.
وبمراجعة المؤتمر الصحافي للسيد حسن نصرالله يمكن للمراقبين أن يكتشفوا كمية التضليل التي ضخّها "حزب الله" تمهيدا للوصول الى النقطة التي أوصل البلاد إليها، وليس تفصيلا مهملا، على سبيل المثال لا الحصر، التوقف عند مسألتين:
الاولى، إهمال نصرالله للقمة العيش في مؤتمره الصحافي، مع أن مسلحيه وآليات "جهاد البناء" لم تنزل الى الطرق صباح أول من أمس إلا باسم الدفاع عن لقمة المواطن و"مشروعية" مطالب حصان طروادة المسمّى اتحادا عماليا عاما.
أما الثانية، ففرض شرط ذهاب القيادات الى طاولة الحوار التي دعا اليها الرئيس نبيه بري، بحيث يتبدى وكأن تجميع هذه القيادات هو مطلب يقع في خانة "حماية المقاومة"، الأمر الذي يُثبت أن الطريق الموصلة الى هذه الطاولة مرصوفة بخطة تخدم النظام السوري، كما يخدم السلاح خطة النظام الإيراني.


ماذا يريد "حزب الله"؟

لا جديد في الإطلالة الشرطية لـ"رئيس الجمهورية الإسلامية في لبنان" السيد حسن نصرالله: سلّموا الدولة لدويلتنا تسلموا.
معادلة نجحت مع ميشال عون، ولكن المقدمات لا تُظهر أنها ستنجح مع الحكومة ومع قوى الرابع عشر من آذار.

ليست هناك تعليقات: