الثلاثاء، مايو 06، 2008

لبنان..معركتان متلازمتان: "اختيارية" ضدّ النظام السوري و"حُكميّة" ضدّ إيران

بإنتهائه، في مؤتمره الصحافي أول من أمس، إلى المطالبة بطرد سفير إيران وبمنع الطيران الإيراني من الهبوط في مطار بيروت، يكون رئيس "اللقاء الديموقراطي" وليد جنبلاط فتح المعركة السياسية ضدّ الدور الإيراني في لبنان. وكذلك أكدت 14 آذار في البيان الصادر عن أمانتها العامة أمس سيرها في هذه المعركة ضدّ الرعاية الإيرانية لـ"دولة حزب الله" وتمددها على حساب الدولة اللبنانية.

خطاب 14 آذار: المحور السوري ـ الإيراني

لقد مرّ الخطاب السياسي لـ14 آذار المواكِب لمعركتها الإستقلالية والديموقراطية بـ"محطتين" خلال الفترة الممتدة من شباط ـ آذار 2005 وحتى اليوم.
المحطة الأولى تميّزت بالتشديد على الدور التعطيلي التخريبي للنظام السوري، وعلى المطالبة بخروجه كلياً ونهائياً من لبنان، بما انّ الإستقلال اللبناني هو بالتعريف إستقلالٌ عن سوريا. وفي محطة ثانية، كان تشديدٌ في خطاب 14 آذار على المحور الإقليمي السوري ـ الإيراني ودوره في أزمة لبنان. وعلى الرغم من "توحيد" الخطاب بين طرفَي المحور أي سوريّا وإيران، فقد بقيت 14 آذار تفرد الحيّز الأكبر للمعركة ضدّ النظام السوري وتطارد كل عمل من أعماله. كان "المحور السوري ـ الإيراني" أشبه بعنوان "عام" في السياسة، إلى أن كانت الوثيقة الصادرة عن مؤتمر "البيال" في 14 آذار الماضي، التي توجّب أن تتضمن تحديداً دقيقاً للدورين الإيراني والسوري المتحالفين ضدّ لبنان، وذلك إنطلاقاً من مقتضى الأمانة "الفكرية" و"السياسية".

المعركة ضدّ الدور الإيراني "إجبارية"

مِن هنا، فإنّ وليد جنبلاط و14 آذار بمواقفهما الأخيرة، إنّما يطلقان معركةً سياسية هي الأولى من نوعها، باعتبارها معركة محدّدة هذه المرّة في وجه الدور الإيراني "المخصوص".
ويقتضي القول في هذا المجال إنّ هذه المعركة التي يفتحها جنبلاط وتفتحها حركة 14 آذار معه، إنما هي معركةٌ "حُكميّة" أو "إجبارية" إلى حدّ معيّن. ذلك انّ الحركة الإستقلالية اللبنانية المستهدَفة من قبل النظام السوري، و"المحكومة" بعلاقة تصادمية معه على أساس خطته الرامية إلى تجديد الوصاية على لبنان وإستتباعه، سعت غير مرة خلال السنوات الثلاث الماضية إلى نوع من "التحييد" لإيران، سواء عبر مخاطبتها مباشرة لدعوتها إلى إعادة النظر في أدائها للعلاقة بلبنان كدولة، أو عبر الحوار ومحاولات الحوار مع "حزب الله" للتوصّل إلى تسوية تاريخية في إطار الإستقلال ودولة الإستقلال. إلا انّ 14 آذار اصطدمت في كل مرّة بـ"مشروع" إيراني يريد أن يجعل من لبنان ـ بواسطة "حزب الله" و"دولته" ـ موقعاً متقدماً لها في المنطقة، تستخدمه في حالتَي صراعها مع المجتمع الدولي أو تسوياتها معه. وبدلاً من أن تتميّز إيران إيجاباً عن النظام السوري تميّزت بمزيد من السلبية. ولم يعُد ثمّة خيارٌ لـ14 آذار بين مشروعين خطيرين يتغذّى واحدهما من الآخر: مشروع سوري للهيمنة على لبنان بدعم إيران ومشروع إيراني يجعل من لبنان حدوداً إيرانية للصراع مع "العالم" بدعم سوري.
بكلامٍ آخر، انّ 14 آذار تخوضُ معركتين: مع النظام السوري "اختيارياً" ومع إيران "إجبارياً"، لأنّ فتح المعركة السياسية اليوم ضدّ الدور الإيراني في لبنان لا يعني انّ المعركة أقفلت مع النظام السوري، ولأنّ التركيز على الجانب الإيراني لا "يجبّ" التركيز المستمرّ على الجانب السوري. وبهذا المعنى، فانّ المعركتين معركة واحدة لا مفرّ من أن تستمرّ.

الوقائع الأمنية "صاعق" المعركة السياسية

في المقدّمات الآنفة شرحٌ لأسباب المعركة السياسية المنطلقة ضدّ الدور الإيراني في لبنان. ولذلك فإنّ التساؤل عن أبعاد فتح المعركة، في غير محلّه طالما انّ إيران تحملُ مشروعاً يتناقض وإستقلال لبنان ومصلحته في أن يكون محايداً في الصراعات الإقليمية. أمّا التساؤل عن التوقيت فمستغرب فعلاً.
حصل وليد جنبلاط ـ وغيرُه من قيادات 14 آذار ـ على معلومات واردة من ضمن مراسلات رسمية بين وزارة الدفاع ومديرية المخابرات، تفيد عن مراقبة أمنية يقوم بها "حزب الله" بانتظام للمدرج الغربي رقم 17 في مطار رفيق الحريري الدولي. والمعلومات هذه ليست "كوابيس" كما زعم "حزب الله" بل وقائع. كشف جنبلاط عن هذه الوقائع وأشّر بوضوح إلى الوجهة الداخلية التي تستهدفها المراقبة، محذّراً من أعمال أمنية خطيرة.

إيران و"الذبح بالقطنة"

وإذ تتزامن هذه الوقائع "حول" المطار مع وقائع أخرى لا سيما منها تمديد شبكة للاتصالات في عموم المناطق اللبنانية، من الواضح انّ "حزب الله" يستكمل إرساء دولته الخاصة. والحال انّ تمكّن الحزب من متابعة إرساء دولته بل إنجاز تأسيسها، ما كان ليتم لولا الدعم الإيراني مالاً ومعدّات وإستشارات، ووضعاً لمؤسسة "جهاد البناء" الإيرانية ـ التي اكتُشفت كاميرات المراقبة في مستوعباتها ـ بتصرّف العمل الأمني لـ"حزب الله".. من دون أن ينسى أحدٌ التسليح المنتظم حتى بات الحزب يمتلك على أرض لبنان أسلحة مصنفة "إستراتيجية".
ثمّة إذاً وقائع تفرضُ الحديث عن الدور الإيراني. فإيران التي تعتمد بين الحين والآخر خطاباً "منخفضاً" حيال لبنان تحت عنوان دعم "الحلّ" فيه، انما تقوم بتعزيز التوتر في لبنان والإنقسام بل إنفصال "حزب الله" بدولته عن الدولة "المركزية". ويصحّ في هذا المجال ما يُقال عن إيران من انّها "تذبح بالقطنة" أي انها تعتمد النفس الطويل وتغطي أفعالها بكلام هادئ أو "منخفض".

"حزب الله" يتجاهل التفاوض السوري ـ الإسرائيلي

و"الطريف" في الأمر انّ "حزب الله" الذي نفى بطريقة "مزرية" وقائع حقيقية، إعتبر انّ توقيت الكشف عن هذه الوقائع يتعلق باحتدام المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران من جهة ويتعلّق بالتهديدات الإسرائيلية من جهة ثانية.
الأمرُ "طريف" فعلاً لأنّ "حزب الله" الذي لم يعلّق على إعلان النظام في سوريا عن مفاوضات رسمية ستبدأ قريباً بينه وبين إسرائيل برعاية تركية بعد مفاوضات تواصلت عامين خارج الإطار الرسمي، ولم يعلّق على ما أدلى به رئيس النظام بشار الأسد مؤخراً بشأن اغتيال القيادي البارز عماد مغنية، إنما يسعى ـ أي "حزب الله" ـ إلى الهروب من تحديد موقف حيال هذا "التطوّر" باتجاه الهجوم على قوى الأكثرية في الداخل.
الحدّ الأدنى المنطقي هو أن يرتاب "حزب الله" من نظام الأسد، ومن تواطؤ هذا النظام عليه وعلى إيران.. أو من "إحتمال التواطؤ" على الأقل. ذلك انّ الإعلان عن مفاوضات رسمية سورية ـ إسرائيلية وشيكة، يحصل في ظلّ مطالبةٍ إسرائيلية للنظام السوري بالفكّ عن إيران و"حزب الله". ويحصل في ظلّ ضغط أميركي على النظام في سوريا للهدف نفسه. فهل يتّهم "حزب الله" جنبلاط و14 آذار بالتحالف مع النظام السوري ضدّه وضدّ إيران؟ أو يتهمهما بفتح معركة ضدّ إيران لحساب نظام الأسد؟!!. ثمّ هل يقبل "حزب الله" بأن تصدّق 14 آذار تقارير أميركية حديثة تتحدّث عن إتصالات بين واشنطن والحزب تهدف إلى تحييده بصيغة ما؟ وهل يقبل بأن تستنتج 14 آذار ما تشاء من هذه التقاطعات جميعاً؟.
إن إعلان المعركة السياسية ضدّ الدور الإيراني في لبنان من جانب وليد جنبلاط و14 آذار، ينطلق من وقائع خطيرة، ومن وصول الدور الإيراني إلى مرحلة من الخطورة العالية تنذر باندفاع "حزب الله" برعاية طهران نحو الإنفصال "الأخير" عن الدولة.. ولإعتبارات لبنانية محضة. ولم يعد يحقّ لـ"حزب الله" أن يرهب الأكثرية بكلام إتهامي وتخويني، فيما أفعاله ـ بدعم إيراني ـ تنذرُ بكارثة، وهو لم يكتفِ في مراحل سابقة خلال السنوات الثلاث المنصرمة برفض كلّ عروض التسوية التي قدّمتها 14 آذار له تحديداً، بل هو شتم مَن قدّمها.

حكمة السنيورة

ويجب أن تتمعّن إيران جيداً في ما قاله الرئيس فؤاد السنيورة في خطابه عشيّة قمّة دمشق. فهو خاطب جميع الدول بما فيها إيران، مؤكداً انّ العلاقات بين أي دولة شقيقة أو صديقة ولبنان هي علاقةٌ بين دولتين وحكومتين، ولا يمكن أن تكون العلاقة علاقتين، واحدة بالدولة وثانية بدويلات موازية.. والحال انّ إيران تمتنع عن العلاقة بالدولة وتطوّر علاقاتها بـ"دولة حزب الله" و"فروعها". فهل يكون جنبلاط مخطئاً وتكون 14 آذار مخطئة والحالةُ هذه في ما طالبا به؟!.

ليست هناك تعليقات: